السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أهلا وسهلا بكم.. على المُلح و الظرافة نلتقي :
إن كتّاب الأدب منذالقرن الرابع الهجري يتنقلون بك من الجد إلى
الهزل ومن الهزل إلى الجد , ويرون أن الأدب لاموضوع له ,
وإنما هو نقل مظهر من مظاهر الناس في تلك الفترة
قال الأصمعي : بالعلم وصلنا وبالمُلح نِلنا . .
ثم قال (الأصمعي :
أنشدت لمحمد ابن عمران قاضي المدينة , وكان أعقل من رأيته :
ياأيها السائل عن منزلي .. نزلت ُ في الخان على نفسي
يغدو علي َّ الخبز من خابز .. لايقبل الرهن ولايــُنسي :
آكل من كيسي ومن كسرتي .. حتى لقد أوجعني ضرسي .
فقال اكتب لي هذه الأبيات ,
فقلت : أصلحك الله ! هذا لايشبه مثلك ,
وإنما يروي مثل هذا الأحداث ,
فقال : اكتبها فالأشراف تعجبهم الملح .
انظروا مايقول : إنما يروي مثل هذا الأحداث ! إنما يروي مثل
هذاالصغار ! يعني سلامة اللغة وجودة التركيب ودقة الوزن ,
لاتكفي وحدها لأن تكون شعرا معتبرا !!
فالشاعرية أكبر من ذلك !
أقول عند قوله معلقا : (اكتبها فالأشراف تعجبهم الملح ) .
إن الملح والتظرف تكسر من الروتين الممل في الحياة ,
وتكسب الحيوية والجدةوالنشاط .وقد مر بنا حرصهم على ذلك لدرجة أن كان أحدهم يضن بها , فلايهب منها شيئا , لأنه يحس أنها شيء يميزه عن غيره , وأن التطبع بها يجعل لك بصمةطيبة في قلوب الناس , فسرعان ماتتعلقك القلوب , فتنصت لك إذا تحدثت , وتحفظ لك مكانتك إن تغيبت , فيسهل القياد والتغيير .
و مرة كنت أقرأ في زهر الآداب ,
هذا الكتاب الذي يعده النقاد دائرةمعارف َأدبية ,
وهو عبارة عن أربع مجلدات . فمررت على شيم أهل المدينةالمنورة
يقول الكتاب :
وأهل المدينة أكثر الناس ظرفا وأكثرهم طيبا ,وأحلاهم مزاجا , وأشدهم اهتزازا للسماع , وحسنالأدب عند الاستماع , وقال عبدالله بن جعفر ابن أبي طالب : إن لي عند السماع هزة لو سئلت عندها أعطيت , ولو قاتلت لأبليت . انتهى
الله الله ! هذا هو الفناء في الطرب المباح طبعا . وأخذت أقلب الصفحات حتى وصلت إلى قوله :
وروى أبو العيناء
قال : قال الأصمعي : مررت بدار الزبير بالبصرة فإذاشيخ قديم من أهل المدينة من ولد الزبير يكنى أبا ريحانة جالس بالباب عليه شملةتستره , فسلمت عليه , وجلست إليه , فبينما أنا كذلك إذ طلعت عليناسويداء (جارية ) تحمل قربة , فلما نظر إليها لم يتمالك أن قام إليهافقال لها : بالله غنيني صوتا ,
فقالت : إن موالي َّ أعجلوني ,
فقال لابد منذلك ,
قالت : أما والقربة على كتفي فلا ,
قال : فأناأحملهاوهنا المصيبة
قال : فأنا أحملها , فأخذ القربة منها ,
فاندفعت تغني :
فؤادي أسير لايـُفكُ ومهجتي .. تفيض وأحزاني علي ّ تطولُ
ولي مقلة قرحى لطول اشتياقها .. إليك , وأجفاني عليك همول
فديتك أعدائي كثير , وشقتي ... بعيد وأشياعي لديك قليلُ
فضرب وصرخ صرخة ,وضرب بالقربة إلى الأرض فشقها .
(طبعا حين وصلت هنا ,وجرياً على عادتي أنا ابو عبيد الله إذ أُعجب بشيء رميت بالكتاب , وقمت اقلب يديّ تعجباحتى ليقول الذي بجانبي ما دهاه) انتهى كلامي
قامت الجارية تبكي وقالت : ما هذابجزائي منك , أسعفتك بحاجتك فعرضتني لما أكره من مواليَّ .
فقال لا تغتمي ! فإن المصيبة عليَّ حصلت , ونزع الشملة التي كانت عليه فباعها واشترى لها قربةجديدة ,
وقعد بتلك الحال ,فاجتاز به رجل من ولد علي بن أبي طالب رضي
الله عنه , فعرف حاله
فقال : أبا ريحانه ! أحسبك من الذين قال الله فيهم :
فما ربحت تجارتهم وماكانوا مهتدين )
فقال : لا يابن رسول الله ولكن من الذين قال الله فيهم :
( فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه )
فضحك وأمر له بألف درهم . انتهى
طبعا !!! ! لا أسوق هذا الكلام , لأشغل فراغكم بالضحك
والتندر , وإن كان هذا مطلوبا , لكني أريد أن أقول :
أين ثقافة المرح في حياتنا ؟ أين تظرف الأدباء..
والشعراءوالفقهاء ؟
لماذا صار خطابنا الأدبي ممجوجا ,
والديني...مملا , والفكري معقدا ......
ونتهجم على كل من لايعجبنا ...حسداً ....لأنه عرف الحقيقة فأنصف.....فلهم ولأمثالهم(الحساد والمتملقون ...طبعاً) نقول :
قل موتوا بغيظكم....فالقافلة تسير......؟؟؟؟ تعوي
لقد كانوا على فقه ودراية أكثر منا ,
فمن أين جاءنا هذا التورع المزعوم؟!
قال الحسين بن فهم :سمعت يحي يقول : كنت بمصر فرأيت جارية
بيعت بألف دينار ،مارأيت أحسن منها ،صلى الله عليها ،
فقلت : يا أبازكريا : مثلك يقول هذا ؟
قال : نعم صلى الله عليهاوعلى كل مليح.
علّق الذهبي على هذا بقوله :
هذه الحكاية محمولة على الدعابة من أبي زكريا.
قال عنه الإمام الذهبي رحمه الله :"هو أبو زكريا يحي معين
،شيخ المحدثين الحافظ الجهبذ أحدالأعلام روى عنه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داودوغيرهم
أرجو أحبتي أن تكونواقد علمتم أن الظرافة لها رسالة وهدف
وإلى لقاء في كلام أجمل ...... بعونه تعالى
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته