سارة أم نابلسية , ضاعت من فوج الحجاج.
كان العلم لديها راية , يهدر خفاقا مواج .
والزحمة طاعون غادر ,
عربيد كالبحر الثائر..
إلا في ذاك الموقف ,
فهو رحمة .
فيض مشاعر.
وهو للأرواح غاية ,
للقلب دواء و علاج...
في عينيها الزرقاوين تسكن قصة ,
في شفتيها بسمة رضا ,
حمرة جوري آخاذ ,
بقايا غصة .
والنور يشع بطغيان ,
يعزف ترتيلاً الحان ,
لحن النصر القادم يوماً
من جبال قد تركتها ,
كانت للتاريخ بيان...
في (الصفا) قالت: يا أمي
هل شاهدت علم بلادي ؟؟
ابني الأصغرقد أشهره
كالسيف بزهو و عناد ,
لم يبقى سواه حراً ,
والباقي بسجن الأوغاد ..
ويلي لعلم قد ضيعني ,
وفي الماضي ضيع أولادي ,
لكنا نبقى نعشقه !
بشموخ طاغ نرمقه !
كفراش هام بنيران ,
كالصقر قد مل سحابة ,
واختار عذاب الأصفاد ..
صحبي وناسي ولوا عني ,
تركوني وحدي حائرة .
لا يؤنسني غير حيائي ,
وبسماتي و نسكي و دعائي ,
أخاف عليهم من طاغية ,
سموه القلق و الشفقة .
لن يعرف معظمهم أني
أرفل في أروقة الصمت .
تاجي من تبر الرضا ,
وعرشي سكوني و رجائي .
بالله عليك يا ولدي.
هل تقدر أن تأخذني
للمسكن و مكان المأوى ؟؟
علهم إن لمحوا طيفي ,
نسمة فرح قد تحضنهم ,
وهرير الآهات سيطوى.
صحبي منذ سنين ثكلى ,
والأمل خليل طلقهم ,
في جزر النسيان تركهم ,
والزاد حنين و أماني .
كسرة إيمان يابسة .
والماء أجاج منقوع .
من ريق الخيبة مصنوع .
وأنا لازلت على وعدي .
لله بان أبقى شمساً ,
تنير دهاليز اليأس ,
وتحض الصحب على الإيمان.
....
في ( المروة) وهممنا ندعو
لله ووجهتنا الكعبة.
انطلقت صرخات البهجة ,
والحمد وكلمات عذبة.
الصحب انطلقوا إلى (سارة)
فرحاً و اشتعلت أحضان.
وقفت باسقة تسألهم :
(منها ينطلق شعاع يقين ,
وهج حنان بل بدر حنان )!
أين رايتنا المرفوعة ؟
وسواعد ولدي و الخلان ؟.
الولد الأصغر باستحياء ,
وعيون ترتشف الدمعة :
كلت يداي يا أماه !
فأنزلت العلم قليلا ..
والتعب شديد يا آماه !..
كسراج قد ذاب فتيله ..!
نظرت سارة لأول مرة
نظرة غضب و استنكار.
وبنبرة رصين و حكيم ,
وعتاب محب ووقار:
يا ولدي
يا حبي و فلذة كبدي ,
من يتعب من حمل لوائه ,
إلا الخاسر و المنهار ؟؟؟!
ربيتك أن تبقى دوما ,
شبلاً صلداً كالأحجار ..
وتغب من عطر الراية ,
رحيق الفخر و الإكبار.
إن ناءت يداك بحمله ,
من يحمله يا للعار ؟!
اذهب و اسأل إخوتك .
هل كلوا يوماُ أو ملوا ؟
هل القيد الدامي أرهقهم ؟
أو السجن المظلم علمهم ؟
أن يختاروا بين الراية
اوبين عيش الأحرار؟.
........
سارة تودعني شاكرةً ,
تلوح لي , والشكر دعاء .
رسمت في الجو إشارة نصر,
لمعت كنجم سهيل في الأرجاء .
والعلم رجع مرفوعاً يخفق
قد ظلل سارة ,
وانطلق شعاع من فوقه ,
يزهو بفخر و خيلاء !!
لعله ضحكة سارة ؟
أوبشرى بقدوم الفجر!
من رحم الأم الصابرة ,
من ساعد أولاد رووا ,
أرضا بدماء أو أشلاء...
(التقيتها أثناء فريضة الحج , كانت تشع نوراً وبهاءً , وكانت تلك القصة)