تنظيم القاعدة . . وسقطة الخالدي
بسم الله الرحمن الرحيم
تضجّ الساحة السياسية والاجتماعية في المملكة العربية السعودية هذه الأيام بجريمة تنظيم القاعدة حين اختطف موظف القنصلية السعودية في عدن ، وساوم على إطلاق سراحه بعدة مطالب ؛ وإلا مارس ما اعتاد عليه من انتهاك الحرمات ، باستباحة الدماء وقتل النفس المعصومة .
إن جريمة تنظيم القاعدة هذه لتندرج ضمن قائمة طويلة يقشعر الواحد منا عن ذكرها وتذكرها ، وهي من أعظم سقطات هذا التنظيم المنحرف ، التي حاول من خلالها تأليب الرأي الإسلامي في الداخل السعودي وخارجه ( يُقصد بالرأي الإسلامي : الإسلاميين وليس عامة الشعب ) ، وعامة الشعب ، وعموم المسلمين .
لقد حاول التنظيم في سنوات مضت أن يرسم لنفسه وأتباعه صورة مشرّفة ، وأشاع في المجتمع عبر أبواقه المنتشرة فيه مَن يُلمّع هذه الصورة ، ويمارس أبشع أساليب التشويه ضد من يعاديهم أو يشكك في أهدافهم ومنهجهم ، وكان أكثر المتضررين من هذا التشويه حكومات البلدان العربية والإسلامية وعلى رأسها حكومة المملكة العربية السعودية ، وبعض العلماء ومَن يسمون أنفسهم بالسلفيين أو أتباع الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله .
إن هذه الأبواق كانت عبارة عن بعض مشايخ الصحوة والكثير من أفرادها ، ومن شارك في الجهاد الأفغاني وما تلاه من جبهات شرعية كانت أم غير ذلك .
كانت ممارساتهم حول أن أفراد هذا التنظيم هم مجاهدون أنكوا في أعداء الإسلام ، وخاصة الأمريكان ، وأن هذه القوائم للمطلوبين إنما هي قوائم أرسلتها الخارجية الأمريكية إلى البلدان الإسلامية ، لتشكيل أفرادها خطراً حقيقيا على أمريكا وحلفائها ومصالحها الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط ، وبناءاً عليه فإن ملاحقة الحكومات لهذه الأسماء إنما هي حرب على المجاهدين الذين يقدمون أرواحهم رخيصة لإعلاء راية الإسلام ، ويبذلون الغالي والنفيس للذود عن حرمات المسلمين التي تخاذلت عنه تلك الحكومات – فيما يزعمون - ، وبمحاربة الحكومات لهؤلاء المجاهدين المخلصين تكون هي محاربة للإسلام وأهله ، وعليه يجب على المسلمين التعاون مع المطلوبين أمنيا ، وعدم خذلانهم والوقوف مع الحكومات والأمريكان ضدهم ، والدعاء لهم ، وجمع التبرعات لهم ولمن يدافعون عنه ( طبعا الدين وأهله ) .
واستمرت هذه الحال حتى بدأت أعمال تنظيم القاعدة على أرض المملكة العربية السعودية بقيادة " المقرن " ، وبدأت السقطات لتنظيم القاعدة في تلك الفترة تتوالى ، باستخدامها التفجيرات على المصالح العامة والخاصة التي تؤوي أجانب في المملكة العربية السعودية ، وكان أشد تلك السقطات في تلك الفترة استهدافها لمبنى الأمن في الرياض ؛ إذ لم يكن يؤوي أجانب ؛ بل كلهم سعوديون مسلمون معصوموا الدم ( هذا إن تجاوزنا معاذ الله وقلنا بأن المعاهدين ليسوا معصومي الدم ) ، وبها انقطع الخيط وأخذت الخرزات تتساقط متوالية مؤذنة بسقوطهم في المملكة العربية السعودية من تأييد العامة والكثير من التيار الصحوي .
وكانت السقطة الثانية باستهداف صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية في قصره بجدة ، بأسلوب الغدر والخيانة ، بعد أن أمّنَ الإرهابيَّ وأبدى له بادرة الصفح ، وحسن النوايا ، ولكن الانحراف قد أعمى البصائر ، فحاولوا قطع يدٍ تحسن إلى كل من أراد التوبة والعودة إلى رشده وبلده وأهله ، لأثرها البالغ على أفراد تنظيم أفلس قادته ومنظروه عن الاستمرار في السيطرة على أفراده الذين أحسوا بعظم الجُرم الذي ارتكبوه بحق دينهم وبلادهم وأهليهم ، وأخذت تراودهم بذلك أمانيهم في العودة والاستسلام والخضوع لمحاكمة عادلة تخفف عنهم عبء الذنب الذي ارتكبوه ، راجين بذلك إرضاء الله والتوبة عما كانوا عليه .
والسقطة الثالثة كانت بتعاون تنظيم القاعدة في اليمن مع جماعة الحوثيين ؛ مع أنهم تعاونوا مع إيران في السابق واتخذوا منها ملاذا آمنا لتحركاتهم بين أفغانستان والعراق ، ولكن العين لم تسلط عليها لبعد إيران عنّا ، وانشغال التنظيم في تلك الفترة بالعراق في أغلب عملياته .
وهذا التعاون يدلنا على أن هذا التنظيم ممارس لقواعد يهودية بامتياز ، فقاعدة " الغاية تبرر الوسيلة " أساس لا يمكن التنازل عنه في تنظيمهم ، فالشيعة هم في الظاهر أمام البشر البسطاء أعداء ألداء للتنظيم ، ولا يمكن أن يكون اتفاق مهما كان بين الفئتين ، وقد مارسوا التمثيل على البشر في العراق باستهداف كل طافئة منهما للأخرى ، وتلك الخطابات الرنانة للزرقاوي بالدفاع عن أهل السنة في العراق ، وما إلى ذلك من مشاهد قد غابت عن أعين الكثيرين .
والقاعدة الأخرى التي يتمثلها التنظيم في تعامله مع المملكة العربية السعودية ؛ هي " عدو عدوي صديقي " فالحوثيون في اليمن وما قاموا به في ثورتهم السابقة التي استهدفت الحدود السعودية مع اليمن ؛ خير دليل لتنظيم القاعدة على دقة التطابق بين مصالح الفئتين ، وهو ما أدى إلى التحالف والتعاون والتآزر لوصول كل فئة لأهدافها .
ومما يدل على كذب تنظيم القاعدة وبُعده عن أهل السنة والجماعة هو ما كان يمارسه ضد حكومة اليمن أيام الثورة من استهداف للمناطق الجنوبية لليمن ، وإخوانهم الحوثيون يستهدفون أهل السنة في " دماج " في الشمال ، ولم تثر للتنظيم أي ثائرة كما كانت تمارس في العراق ، بل تركوا حلفاءهم يعيثون في الأرض فسادا في قتالهم لأهل السنة ، وضربوا عنهم صفحا لاهين بمصالحهم الخاصة وأهدافهم .
أما السقطة الأخيرة فكانت باستهداف موظف القنصلية السعودية في عدن واختطافه والمساومة على قتله ، محاولين اتباع سياسة تنظيم القاعدة في المغرب العربي باستهداف الأجانب والمساومة عليهم بفدية يشترطونها ، وهي دلالة على ضعف القيادة والتخطيط ، ففي المغرب العربي المختَطَفون أجانب وهم في الأصل غير مسلمين ، أما الخالدي فمسلم بالولادة والمنشأ ، وهذا ما سيزيد الضغوط على التنظيم ، فالشعب السعودي والعربي والإسلامي قد ضجر من هذه الاختطافات التي شوهت دين الإسلام حينما كانت ضد الأجانب ؛ فكيف وهي تمارس الآن مع مسلم عربي .
إن هذا التصرف الأرعن سيزيد من احتقان المسلمين على هذا التنظيم بحمد الله ، والوقوف ضده ، وبذل الغالي والنفيس لردعه ودحره ، وهذا بعض ما ذكره متابع لقضايا الجماعات الإسلامية في اليمن على قناة العربية ضمن برنامج صناعة الموت .
ومن هنا يظهر لنا إفلاس التنظيم وفقدانه لقاعدة كان يستند عليها كلما ضيقت الحكومات الخناق عليه ، وهو الآن يخطب ودّ الإسلاميين والصحويين في مطالباته الأخيرة حين طالب بالإفراج عن مجموعة من المسجونين في السجون السعودية وخصّ منهم مجموعة من المشايخ ، منهم من كان ضالعا في التنظيم كالخضير والفهد ، ومنهم من يسعى لإثارة الفوضى في البلد مع عدم ظهور اتصاله بالنسبة لي مع التنظيم ؛ ولكن له حضور جماهيري في صفوف الصحويين ، وبهذا المطلب حاول استرجاع شيء من حضوره في الساحة السعودية ، التي افتقد فيها الزخم الذي كان يتباهى به .
واستغربت حين قرأت لمن يطالب تنظيم القاعدة بإخلاء سبيل الخالدي حفظا للدم المعصومة ، ثم يوجه رغبته الإفراج عن المعتقلين في السجون السعودية على الإطلاق ، وإننا لنعلم أن السجن أنما هو إصلاح وتأديب ، وقد دخل السجن في سنين مضت بعض المشايخ في حينه كانوا ممن يثير الفوضى والاحتقان داخل المجتمع ، وبعد خروجه منه أظهر اعتدالا ووسطية أكسبته رفعة ومكانة على مستوى المجتمعات وكذلك الحكومات ، فلِمَ المطالبة بالإفراج عن العموم دون ظهور بوادر الاعتدال على المساجين ، والبُعد عن تهييج الشارع ، والامتثال للمنهج الوسط .
إن جريمة تنظيم القاعدة الأخيرة لهي فاجعة على المجتمع السعودي حكومة وشعبا ، وإننا لنعلم أن الحكومة أيدها الله قد بذلت وستبذل الوسع وقصاره ، لإعادة ابن الوطن إلى وطنه وأهله ، وإن تنظيم القاعدة فيما يظهر من خطواته السابقة ليمرّ في ضيق شديد ، قلة في موارده ، ولن يستطيع في حدّ تقديري أن يقدم على قتل الخالدي حماه الله ورعاه ، وإنما سيسعى من خلال ذلك إلى فدية يتمسك بها ، ويتنازل تدريجيا عن بقية المطالب ، لأنها هدفه الوحيد الفريد ، أما أسماء النساء التي ذكرت والأسرى اليمنيين على حدّ تعبيرهم والمشايخ فكلهم مما يزاد ليتم التنازل عنهم إن تم الضغط عليهم .
وفي الختام أسأل الله أن يحفظ ابن الوطن ويرعاه ، ويعيده إلى أهله ووطنه بخير وعافية ، ويوفق حكومتنا للخير والسداد .
باسم الجرفالي
2 / 6 / 1433هـ