أسعد الله أياكم وجعلها مليئة بالإيمان والتقوى ..
نبدأ بسد الذريعة
قلت :
( دعوى الإمكان ليست جوابا لأنها تصلح لكل سؤال ، لكن السؤال هو: هل ترى مبالغة في فتوى التحريم ؟ )
أولاً كلامي عن المبالغة في سد الذرائع جاء تعقيباً على كلامك ، وليس تعقيباً على الفتوى ، وها أنا أكرر للمرة الرابعة على ما أظن ، أن فتوى التحريم جاء على أصول شرعية معتبرة ، وليس فيه مبالغة .
أما وقوع المبالغة .. فنعم وقعت في فتاوى .. تحريم المطابع قديماً وتحريم تعلم المرأة القراءة والكتابة حتى لا تكتب رسائل غرامية ومنع النساء من الذهاب إلى المساجد ..
مسألة التدرج
عندما كتبت أن التدرج سنة كونية وشرعية ، لم أدر أن الشيخ عدنان العرعور قال ذلك في كتابه ، حيث يقول :
( والتدرج سنة كونية، وشرعية، لأنها تتوافق والفطرة التي فطر الله الناس عليها ) .
ولم يقل أحد إن التدرج يعني إباحة المحرم أو إسقاط الواجب .
بل أقول إن في مسائل الإعلام ( المختلف عليها أصلاً ) يجب أن نأخذ بالتدرج ، فلا يمكننا أن نبني إعلاماً إسلامياً متكاملاً في يوم ليلة ..
تأملوا كلام الدكتور يوسف القرضاوي :
( حين أراد صديقنا الشيخ صالح كامل إنشاء قناة (اقرأ) الإعلامية الإسلامية، عقد أول (ندوة فقهية إعلامية) في القاهرة قبيل افتتاح القناة، وطلب مني أن أفتتحها بمحاضرة في (فقه الإعلام). وكان مما قلته في محاضرتي: إن فقه الإعلام يجب أن يقوم أول ما يقوم على قاعدتين أساسيتين:
الأولى: قاعدة (التيسير)، وهذه لا خلاف عليها. من ناحية المبدأ، ولكن الخلاف يأتي في التطبيق. فكثيراً ما يردِّد علماء الفقه القواعد المقرّرة، مثل: المشقة تجلب التيسير، إذا ضاق الأمر اتَّسع، الفتوى تتغيَّر بتغيُّر الزمان والمكان والحال، ولكن عند التطبيق ننساها، وننكر على من يراعيها. والتيسير هنا مطلوب في مجالات كثيرة: في قضايا المرأة، وقضايا الفن، والدراما، والأغاني، والموسيقى، وغيرها. فمن تبنّى رأي المتشدّدين في هذه القضايا، فأولى له ألا يدخل ميدان الإعلام.
الثانية: قاعدة (التدرج)، والتدرج سنة كونية، وسنة شرعية، وقد دلّلنا على ذلك في موضعه، فلا يتصوَّر أننا نستطيع أن نغيّر الإعلام الحاضر مما دخله من انحرافات وتجاوزات في التصور والسلوك، في النظر وفي التطبيق، وخصوصاً في الأعمال الدرامية، ابتداء من كتابة النص، إلى تحويله إلى سيناريو، إلى إخراجه وتمثيله وتصويره وإنتاجه وتنفيذه، وتسويقه، فلا بد من دخول هذا المعترك والصبر عليه، والتدرج فيه، حتى يتطور إلى فنّ إسلامي حقيقة، وليس هذا بالأمر اليسير، ولكنه ممكن إذا توافرت الأفكار والعزائم والأيدي والأموال. وقد ذكر الفقهاء هنا قصة عمر بن عبد العزيز مع ابنه عبد الملك الشاب التقي المتحمّس الذي قال لأبيه يوماً: ما لي أراك يا أبت تتهاون في إنفاذ الأمور؟! فو الله ما أبالي لو غلت بي وبك القدور في سبيل الله! قال عمر: يا بني لا تعجل، فإن الله ذمَّ الخمر في القرآن مرتين، ثم حرّمها في الثالثة! وإني أخشى أن أحمل الناس على الحق جملة، فيدفعونه جملة، فيكون من وراء ذلك فتنة!
وفي رواية: أنه قال له: إن قومك قد أحكموا هذا الأمر عُقدة عقدة. أما يسرّك أن لا يمر على أبيك يوم إلا أحيا فيه سنة، أو أمات فيه بدعة ) .
( ولا شك أن الفقهاء يتفاوتون في التشديد والتيسر، فمنهم من يتمسك بحرفية النص، ومنهم من ينظر إلى مقصوده، ومنهم من يتوسع في الأخذ بالرخص، ومنهم من يُضَيِّق، وقد عرف تراثنا شدائد ابن عمر، ورخص ابن عباس.
وأرى أن الإعلام خاصة أحوج ما يكون إلى فقه التيسير، فإذا كان هناك من يُشَدِّد ويقول: الوجه عورة، فعلى الفقه الإعلامي أن يأخذ بقول من يقول: الوجه ليس بعورة. وإذا كان هناك من يُحَرِّم التصوير، فلا بد لنا من ترجيح القول بجواز التصوير الفوتوغرافي والتلفزيوني وغيرهما. وإذا كان هناك من يُحَرِّم الغناء بآلة أو بغير آلة، وهناك من يجيزه بشروط فلا بد لنا أن نرجح جوازه بشروط. وهكذا ) .
ويختم الشيخ العرور مبحثه عن التدرج بكلام رائع :
( وخلاصة هذا المبحث: أن منهجية التدرج في الدعوة إلى الله ما تزال قائمة لم تنسخ، يعمل بها حسب الأحوال، وأن فيها من الحكمة الشيء الكثير، وأن غياب هذه القاعدة من منهج الداعية، فضلاً عما فيه من مخالفة لسنن الله الكونية، وسننه الشرعية، فإن فيه اصطداماً مع واقع ليس من ورائه إلا الفشل، والنفور..، فشل الداعية.. ونفور المدعوين، والله الهادي إلى سواء السبيل ) .
أما المراد من سوق فتوى شيخ الإسلام هو كيف أن الشيخ وازن بين المصالح والمفاسد في مسألة محرمة في الأصل ( المكوس ) ..
ونحن بصدد مسألة ليس فيها نص بالتحريم ، فإعمال المصالح والمفاسد فيها أولى ..
ودعني الخص لك فكرتي ..
إذا قلنا إن مسلسل عمر سيمثل وسيعرض لا محالة ، وان المفاسد المتحققة فيه بغياب الرقابة الاسلامية 80 % مثلاً
ولكن إبوجود الرقابة الاسلامية في المسلسل ، مراجعة للنص ومتابعة للتمثيل والإخراج ... الخ . ستقل المفاسد إلى 40 % مثلاً ..
وهذان طريقان لا ثالث لهما ..
فأي الطريقين نختار ؟
قلت :
( ما قولك فيما قدمنا من فتاوى التحريم وما ردك لأدلتهم والمفاسد التي بينوها؟ فنحتاج منك عرضا لجميع تلك المفاسد وكيف ستغلب المصالح المرتقبة على مفاسد حاصلة واقعة ) .
هل تريد مني أن اعرض المفاسد وأقدم البديل ؟
مع انك لو راجعت مداخلاتي لرأيت البدائل لبعض المفاسد ..
قالت :
( فرقت بين الأنبياء والصحابة في الحكم لكن لم تتضح لي العلة، وهل تتفق مع العلة الواردة في مقال البيان: "عدم تمثيل مَنْ يَحْرُم التشبه بهم ، أو من يكون في تمثيلهم انتقاص من قَدْرِهم : كالأنبياء والملائكة - قطعاً - ومثلهم الصحابة ) .
قلت سابقاً :
الأنبياء ليسوا مثل الصحابة ، فالأنبياء لهم خصوصية فهم المختارون من قبل الله تعالى لتبليغ الناس رسالاته ، والتشريع يرتبط بأقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم ، بخلاف الصحابة ، ولذا أرى أن في تمثيلهم انتقاص من قدرهم .
وإذا كان هناك انتقاص من الصحابة في تمثيلهم ، فهذا لا يختلف عليه اثنان في حرمته ..
قلت :
( ولم توضح رأيك في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته، وقد كنت حذفت تساؤلي لك عنهما ظنا مني انك ترى التحريم ) .
قلت سابقاً إنني في تمثيل المرأة بشكل عام لدي تحفظات ..
قلت :
( فهل توافق قول صاحب البيان: "ومما أؤكد عليه أن ما عُلِّق من الأحكام والضوابط على تحقُّق المصلحة الراجحة فالمقصود مراعاة المصلحة الشرعية المعتَبَرة التي يقدرها أهل العلم ) .
أوافق عليه 100 %
فالمصالح يجب أن تكون شرعية معتبرة ، ويقدرها أهل العلم ، وقد تناولت هذا الأمر في كتاب لي ستصدر من مصر ربما في الأشهر القادمة إن شاء الله تعالى ..
ويبقى السؤال المهم برأيي والذي لم أجد إجابة عنه إلى الآن :
هل إذا حُلت الإشكاليات والموانع المتعلقة بتمثيل الصحابة ..
هل سنعود إلى الجواز ؟
ومن علمكم المبارك نستفيد ..
تحياتي ودعائي ..