أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: ]رَحَى دنيا

  1. #1
    الصورة الرمزية الدكتور أحمد قاسم العريقي قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Nov 2012
    المشاركات : 99
    المواضيع : 47
    الردود : 99
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي ]رَحَى دنيا

    [SIZE="5"]رَحَى دنيا[/SIZE]

    فقاعاتُ الزمنِ كثيرةٌ التي ينفخُها إبليسُ، لتُحلِّقَ في سمائنا تزهو بنفسها، تلك الفُقاعاتُ هي نفسها تتكررُ مِنذُ أقدمِ العصورِ بألوانٍ وأشكالٍ عِدةٍ، وغالبا ما تتشبهُ في البشرِ، لكنّ سلوكها واحدٌ لا يتغيرُ تتوارثه عبرَ جيناتها. تلك الفُقاعاتُ تعيشُ زمناً وتنفجرُ بنفسها، منها ما لا تنفجرُ إلا بِحربةٍ مُخلّفةً دماراً هائلاً، وكثيراً ما حدّثتنا الجدةُ حمامة عَن تلك الفُقاعاتِ، وهي تستعيذُ بالله من شرّهنّ اللاتي يلتهمنَ البشرَ أحياناً وتبتلع بعضها بعضاً وتعجز عن الهضم دائماً.
    أشرقت الجدةُ حمامةٌ علينا مِن خلفِ ربوتها، أضاءت مُحيانا بِطلعتها، وصِلت تتوكأْ بِعصاةٍ تسنُدها، وكلٌّنا شوقٌ لسماعٍ حكاية جديدة.
    أخذتْ مجلسها، ونحنُ نتماهى في عالمها السحري، نروي أرواحنا من نَبْعِ حِكمتها المُتدفقُ شلالاً مِن سَناءِ الحِكمة، لكلماتها وقعُ حبّاتِ الفرحِ على القلبِ.
    جلست ونحن نستعجلها: هيَّا ، هيَّا يا جده
    ستبدأ (السُمّاية)؟، قالت :
    سأحكي لكُم حكايةً، أحلى مِن العسلِ،! لكن وا أسفه يموت فيها البطلُ. بدأت الجدة تسرد فنَّ حكايتها، قالت :
    ـــ باسمِ اللهِ، بهِ استفتحتُ، وعليهِ توكّلتُ ولهُ الحمدُ على ما أعطى، وأعوذ بهِ من شرٍّ في الأرض سرى . مولاي وإلهيَ لا تفتنا بجَنّة سُلطان. أو عرشٍ يُفسَدُ فيه الإنسان. وتكيدَ الظالمَ بالظالمِ في نحرِه. وتشغَلهُ بأمره.
    قيل يا أحفادي، عن فلّاحٍ يُدعى نُعمان، لهُ سبعُ بناتٍ الأوسطُ مِنهُنَّ هيَ الأجملُ والأرجحُ عقلاً، تُدعى (دُنيا)، منهُن لها عملٌ في الحقلِ ومنهن في البيت وطحن الحبّ .كانت دُنيا لا تقدرُ أن تقبضَ عودَ المَطحنِ كي تبدأ في الدورانِ إلا بوضع الأحجار، لكي يصل الكفّ إلى المِقبض.
    في يومٍ سقطت أرضاً مِن فوق الأحجارِ، غُشيّ عليها،رأت في غشيتها رجلاً يرتدي ثوباً أبيضَ كبياضِ الثلجِ، يقولُ لها قومي يا دُنيا لرَحاك قولي أن تعملَ ما شئْتِ، ولكنّ حذاري إن تطحني فيها عند غروبِ الشمسِ فإنّ الجِنُّ تطوفُ على
    البيتِ في ذاك الوقتِ، ستكشفُ سرّكِ، ثُم تلاقين الأمرَ الأصعبَ جدٍّا وتلاشى عنها الرجلُ بعيداً.
    قامت دنيا مِن غشيتها، لتديرَ رَحاها قالت: اقصرْ يا قطبُ .. اقصرْ ... أنخفض القطبُ لها حتى وصلت يدُها اليمنى لتُديرَ رَحاها كيف تشاءُ، فإن قالت لرَحاها أن تسرعْ، تسرعْ في الحال، وعلى دُنيا تَلقيمَ رحاها بالحَبَّ فقط .
    في يومٍ يا أحبابي وكما قال الراوي، رغبتْ دنيا أن تأْكلَ خُبز البُرّ فقالت لرَحاها: هّيا أيتها المطحنُ هذه ذُرةٌ حمراء رجائي أن تتحوّل بُرًّا، فتحوّل بُرًّا ،شاهدهُ الأبُ فاندهشت عيناهُ فقال لها: من أين أتيت بهذا البرَّ لنا يا دُنيا ؟!ّ وقريتنا لا تزرع منه أبداً. قالت قِصّتها ورَحاها، قال لها : يا دُنيا لا تُفشي هذا السرَّ أبداً .
    في يومٍ كان أبوها في الوادي، دسّ رمالاً في جيبَه، عادَ إلى الدارَ عند غروبِ الشمسِ، رأى دُنيا، قالَ لها : يا دنيا فليُطحنُ هذا الرملُ الآن، وقولي لرحاكِ بأن تجري وتحوَّل هذا الرمل إلى برًّ، قالت يا أبتِ إني لا أطحنُ شيئاً في وقتِي هذا، لكنّه قال لها: لابدّ منَ الطحنِ الآن.

    أخذت ذاك الرملَ وهيَ خائفةً من شيءٍ مجهولٍ، لكنّها غَلِطت قالت : يا مطحنُ حوّلْ هذا الرملَ إلى تِبرٍ، إذ بالرملِ تحوّلَ تبراً وأضاءَ المطحن والدار معاَ ببريقٍ يلمع كالشمسِ، جرى الأبُ والأخوات إليها والدهشةُ تملؤهم حين رأوا ذاك التبرَ على مطحنِ دنيا كادَ يُجنّ فقال لها: يا دُنيا كنت أظنُّ الرمل َيُمكن أن يصبحَ بُرًّا، لا أن يصبحُ تبراً، لكنّ الفرحةَ ما دامت، حيث الجِنُّ هنالك كانت عند غروبِ الشمسِ تطوف، رأت نوراً في الدارِ.
    أوحوا للناسِ: بأنّ كنوزاً في دار النُعمانِ، فجاء الناسُ إلى الدارِ تجري كمالطوفانِ، لتسألَ نُعمانَ عن ذاك الكنزِ المخفي ؟ . أنكرَ نُعمانُ وقال : لا شيئاً في داري يا قومٌ ؛ لكن أناساً دخلوا غصباً ورأوا بجوار المطحنِ تبراً، صاحوا : وجدناهُ الكنزَ، وجدناهُ الكنزَ ... حدث الشغب بين الناسِ، تقاتلَ كُلٌ منهم في الدارِ، فصاح شيوخُ البلدانِ عليهم: نحنُ عقلاءٌ فيكم فليصمتْ كُلًّ منكم ولنسألَ نُعمانَ عنِ الكنزِ فقالَ نعمانُ لهم : ليس معي كنزٌ أبداً، لكنّ لدى دُنيا رَحىً تعطيها ما شاءت عند الطحن بها حتى لو كانت تطلبُ منها تبراً.
    جُنّتْ يا ولِدان. كُلُّ شيوخِ البلدان. كلٌّ يبغي (دُنيا) ورَحاها، وانتزعُ الخنجرَ كلٌّ منهم، وتقاتلَ منهم بالأتباعِ. ماتَ كثيرٌ منهم حسمَ الأمرَ الأبُ، قال لهم : يكفي يا ناس نزاعا ابنتي دُنيا ستقرّرُ مَن تختاره زوجاً منكم. خرجت دُنيا كالبدرِ تمشي على الأرضِ، والشعرُ تسربلهُ حتى القدمِين، أناملها رخصٌ كالأقلامِ، قالت: لي شرطٌ مَن يقدرْ منكم أنْ يرفعْ مطحنتي بيدٍ واحدةٍ، سأكون لهُ زوجاً. قالوا جمعاً : لكنّ رَحاك علينا تبدو أثقلَ من صخرٍ، ردّت : فإذا أحملها قبلَ الكلِّ أنا؟ . ضحكَ الناسُ عليها قالوا: أنّى لفتاةٍ تحملَ مطحنةً ؟! . همست دُنيا في المطحنِ أن تعلو، فعلتْ، وبقت تجري فيها، ثمَّ عادت مجلسها. همست لرَحاها بعدئذٍ :لا، لا ترتفعي حتى يأتي أمرٌ منّي وأتى شيخٌ يبدو للكلّ قويّ البُنيّة، صلباً أو رُضِّعَ يوماً من جِنّية صاحَ الناسُ سيرفعها وسيحظى بدُنيا هذا العفريتُ ولكنه لم يقدرْ ، ثم أتى شيخٌ آخر يحملُ سيفاً بتّاراً يرمي من عينيهِ شرًّا كالنار.
    أيضاً لم يقدرْ، ثُمّ أتي الثاني والثالثُ والرابعُ ... حتى أتى شيخٌ يُدعى (ميْهاربا) أصغرهم سناً، حَسنُ الطلعةِ، فيه أثر الركعة. همست دُنيا لرحاها: ارتفعي، مدّ ميهاربا يدهُ اليسرى إذ بهِ يحملها. فرحَ الناسُ كثيراً لكنّ شيوخَ البلدانِ امتلأتْ حسداً والغيرةُ تأكلهم وتزوّجَ ميهاربا مِن دُنيا
    عاشت دُنيا مع ميهاربا زمناً تعطيهِ مما تجني رَحاها وهْو يعطي الناسَ مما كانت دُنيا تعطيه ... صار الناسُ في عزٍّ وهناءٍ وغدا ميهاربا محبوباً في البلدانِ.
    في يومٍ يا أحفادي، أتى شيخٌ يُدعى شرهان أشارَ إلى كُلّ شيوخِ الأوطانِ، لكي يقتصّوا من ميهاربا كُلَّ بنانٍ، حتى يحضى الكلُّ بدنيا ورَحاها قال: سنقتلهُ اليوم بضربة سيفٍ واحد. واجتمعوا كسوارٍ في المعصم حوله.
    قُتلَ الشيخُ ميهاربا يا أطفال، ومن الحُزن عليهِ مالت كُل الأغصانِ وانتكست كُلُّ الأعلام، والعين انسكبت دمعاً مدراراً، واتّفقوا أن تبقى دنيا ورحاها جاريةً كلٌّ يملكُ دُنيا سنةً. قام الشيخَ شرهان كأنّه ابن الشيطان وقال
    : أنا أوّل مَن يملك دنيا فيكم . وبقت دُنيا جاريةً عنده تطحنُ ما شاء لها شرهان، وامتلك الدُّرّ مع الياقوتَ ولم يشبعْ. بعد السنةِ الأولى رفض الشيخُ أن يتنازلَ عن دُنيا ورَحاها، صاح شيوخُ البلدان في كُلّ مكانٍ: يا شرهان ستلقى حتفكَ إن لم تعطِ لنا دُنيا ردّ يقول: سأعطيكم ما تطحنه اليوم لكي تبقوا أسيادَاً مثلي واتفقوا على الباطل هذا .
    مرّت سنواتٌ زاد الفقرُ، وجاعَ الناسُ، وضاع الحقُّ وصارَ الباطلُ شرعاً يا أحفادي.
    وكما قال الراوي يا أحبابي، كبرَ الشيخُ شرهانُ، وأمّا دنيا مازالت قمراً لم تكبرْ، فكّر أن يُهديْها ورحاها للابنِ الأكبر، والجوع فاشٍ بين الناس. صاحَ شيوخُ البلدانِ وعابوا أعمالَه، كُلٌّ جهّزَ جيشاً من فقراء الناسِ وهم كنسورٍ يرتقبون الناسَ، تقاتل بعضاً كُلٌّ يرْقبُ قطفَ زهور المنصور. سلبوا منهُ دنيا غصباً، وبقى يا أحفادي الشيخُ يُكابدُ في ألمٍ يسكبُ دمعَاً مدراراً، يبكي كبُكاء العُشّاق، يتمنّى عودتها إليه أو يقتلها حتى لا يمتلكها الغير.
    هكذا يا أحفادي، مَن اتفقوا على ضلالٍ في الدنيا ضلّوا ، ومَن اعتصموا بهُدى الله هداهم في الأرضِ إليه.
    وصلى الله على المُختار. سيدنا محمد بن عبد الله خير الأخيار} .
    قال سعيدُ يا جدةُ: هذي الحكايةُ عجيبةٌ، فقالت الجدةُ حمامةُ: ليست أعجبُ من حكاية الملاك الذي طلب من الله أن يصبحَ إنساناً، ثم قامت تمشي وهي تقول: غداً لنا لقاء في موعدنا
    التفتنا إلى الخلف؛ فرأينا سالماً مُنتبها ولم ينم كعادتهِ، بل ينعس قليلاً فاستغربنا لذلك، لكن داود قال فيما بعد وهو يضحك : كنت أقرصه كلما نعسَت عيناه .



  2. #2
    الصورة الرمزية سامية الحربي أديبة
    غصن الحربي

    تاريخ التسجيل : Sep 2011
    المشاركات : 1,578
    المواضيع : 60
    الردود : 1578
    المعدل اليومي : 0.34

    افتراضي

    مرحبًا بك أديبنا وبقصصك الشعبية الماتعة. دنيا هي حقل النفط و بلادٌ ناعسة العينين عاشت دهرًا في دعة و أمن حتى انتبه لها أبناء قابيل. دنيا رمز لكل قيمة يستعبدها الناس ويعبدونها ثم يغتالونها. العنوان يوحي بالكثير. دمت بخير. تحياتي.

  3. #3
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,786
    المواضيع : 392
    الردود : 23786
    المعدل اليومي : 4.13

    افتراضي

    أضاعوا دنياهم بمطامعهم كما الأوطان
    من الأدب الشعبي مازلت تمتعنا بحكاياك الخيالية بأسلوبها الجميل التي تجبرنا على المتابعة
    شكرا لك تلك المساحة من البهاء
    ومرحبا بك في واحتك
    تحاياي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4
    الصورة الرمزية الدكتور أحمد قاسم العريقي قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Nov 2012
    المشاركات : 99
    المواضيع : 47
    الردود : 99
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    الأستاذة آمال المصري لقد ساد الأدب الشعبي في الماضي وكانت حكياته شيقة وممتعة يسهل حفضها وتناولها عبر البلدان ولم يجدد فيه أحد وبداء يتماهى من المشهد الثقافي وأردت أن أسرد أحداثنا المعاصرة بطريقة الأدب الشعبي لأجدد فيه وحتى لا ينسى تراثنا

  5. #5
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.71

    افتراضي

    استهلام قصّي للحكاية الشعبية وتوظيف لأسلوبها في خدمة الحكائية الحديثة

    قص هادف
    جعل الله فيه نفعا لمتلقيه

    دمت بخير

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  6. #6

  7. #7
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,137
    المواضيع : 318
    الردود : 21137
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    قصة من الأدب الشعبي الجميل على لسان الجدة
    وإن كانت الحكايات من الأحداث المعاصرة باستلهام القص الشعبي
    وحكاياته الشيقة الممتعة .
    بورك القص الهادف وسلم القلم والفكر .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

المواضيع المتشابهه

  1. ابن عمي دِنْيَا أو دِنْيًا، ودُنْيَا أو دُنْيًا
    بواسطة فريد البيدق في المنتدى المُعْجَمُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 16-07-2022, 10:05 PM
  2. رحى عينيكِ
    بواسطة أحمد حسين أحمد في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 29
    آخر مشاركة: 25-11-2008, 06:53 PM
  3. خاطره _ * رحى .. الحرب *
    بواسطة عبد الرحمن الكرد في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 19-10-2008, 11:21 PM
  4. من يؤثر على الآخر السياسة والاقتصاد قطبا رحى
    بواسطة الصباح الخالدي في المنتدى الحِوَارُ السِّيَاسِيُّ العَرَبِيُّ
    مشاركات: 33
    آخر مشاركة: 19-07-2008, 07:05 PM
  5. صمت الصهيل في رحى الصحراء_ وائل ابو صلاح
    بواسطة وائل ابو صلاح في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 01-06-2008, 08:50 PM