كان الحاج إبراهيم يَمْلك مخزنا لبيع الإسمنت و الأجور، لقد أدرك بحس التاجر الحاذق أن المستقبل في البِنَاء و العِمَارَة ، لم يُرسله أبوه السِيْ عْلِيْ إلى المدرسة الفرنسية الكافرة، تَتَلْمَذ بالمْسِيدْ ،حفظ ما تيسر من القرآن الكريم، و تَعَلم جداول الحِسَاب. فقد كان الأمر يكفيه لإدارة تِجارة أبيه، التي كانت دُكانا لبيع المواد الغذائية آنذاك.
كان الحاج إبراهيم إنسانا ملتزما في كل أموره، كان يَبِيع و يَشْتَري كل يوم، لا يَعتزل التجارة إلا يوم عيد الفطر،و عيد النحر و أيام التشريق. تزوج صغيرا من ابنة عَمِّه فاطمة، برغبة من أبيه، و أنجب منها طفلين مريم و عمر، دَفَعَ بِهِمَا مُكرها إلى المدرسة الحكومية، فهو يَعلم أن لا فائدة تُرجى من مُثَقَّفِي المدينة ، فهم يدفعون له مستحقاتهم بالتقسيط، و منهم من يتلكأ عند الدفع، و منهم من يتحاشاه و يقلب الوجهة عند لقاءه في الطريق.
في بلد يٌقَدِّسُ الإسمنت، تَنَامَتْ ثروته بشكل فاحش، و لم يكن يُعَكِّر عليه نشوة انتصاراته سوى أُنُوثًة ابنته التي بدأت تظهر، و تفيض عليها حسنا و جمالا. كان يزيد من همه ما يَسْمَع! فتاة هَرَبَتْ مع عشيقها هنا، و
أخرى فُضًّتْ بَكَارتها هناك. قرر الحاج إبراهيم مَنْعَ مريم من متابعة دراستها و أَقْعَدَها البيت فارتاح. فَرِحَت مريم كثيرا بادئ الأمر من العبء الثقيل الذي كانت تُشكله لها المدرسة، ظنت أنها ستقضي يومها في اللعب و المتعة. لكن فرحتها لم تَدُم طويلا إِذْ سريعا ما تَحَمَّلت الأعباء المنزلية. لم يكن عُمَرهو الأخر مهتما بدروسه، ولكن أباه لم يَقلق لذلك، فكل شيء يقاس بالمال في هذ البلد.
لم يَفْهَم عمر سِرَّ التناقض الحاصل بين ثروة أبيه و الحرمان الذي كان يَذُوقُه مقارنة بأقرانه ! في زمن طغيان الاستهلاك، فاحترف سرقة خزينة مال المَخْزَنْ ، ليفرج عن نفسه، و يَنْتَقم من بُخْل أبيه. وكان يصطحب معه حُثَالة الحَيِّ الذين كانوا يُشِيرون عليه بالرأي، و يُزَينون له سوء عمله.
كانت فرحة الحاج إبراهيم شديدة لما تقدّم أحد أبناء تجار المدينة لخطبة ابنته، فهذا الزواج سيزيح هَمًّا كبيرا، و غَمًّا جاثما على قلبه. كان كل شيء يسير وفق ما يُخَطِطُ له. في خضم كل هذه الانتصارات الباهرة، قَرَّرَ أن يكافئ نفسه بزواج من امرأة ثانية، فلا شيء يَمْنَعُه، غير أن المرض اللعين عَاجَلَه.
عَلِمَتْ مريم بمرض أبيها، فتحركت عاطفتها، جَمَعَتْ أولادها الثلاثة و ذهبت لجانب والدها تُسْعِفُه و تُخَفِفُ عنه آلامه و أحزانه. في حين وجد عمر الفرصة سانحة فانغمس في الملذات لا شيء يردعه.
أحس الحاج إبراهيم بدنو أجله، فَفَكَّرَ و قَدَّرَ، ثم نَظَرَ أَنَّ للذكر مثل حظ الأنثيين . ذلك كثير لزوج مريم! استشار أحد فقهاء القانون الوضعي، الذي أشار عليه أن يوقع عقد بيع بجميع أملاكه لولده عمر، فارتاح و أسلم الروح.
السِيْ : السَّيِدْ
المْسِيدْ : الكُتَّابْ