رأيُ محمد إقبال في الأدب
==============

( للدكتور محمد إقبال آراءٌ حصيفةٌ في العلوم والآدابِ والشعرِ ؛ هي عُصارةُ تفكيرِهِ وتجاربِهِ منها أنّ الأدبَ موهبةٌ كبيرةٌ من مواهبِ اللهِ ، وقوةٌ عظيمةٌ ، يُحدثُ بهِ صاحبُهُ انقلابًا في المجتمع وثورةً فكريّةً ، يضرب به الأوضاعَ الفاسدةَ الضربة القاضيةَ ، ويُشعل القلوبَ حماسةً وغضبًا ويُشعلُ البلادَ نارًا وثورةً ، ويملأ النفوسَ قلقًا واضطرابًا ، وتذمّرًا من الشرَ ، وتطلّعًا إلى الخير فلا بُدّ أن يكونَ في قلمِ الأديبِ والشاعرِ التأثيرُ الذي كانَ في عصا موسى ، وأن يؤديَ رسالته في العالَم ، وكلُّ أدبٍ استُغلّ لجمعِ المادّة أو إرضاءِ الأغنياءِ والأثرياءِ أو إثارة الشهواتِ ، أو على الأقلّ كانَ أداةً للّهوِ والتسليةِ ، والتذوقِ بالجمال والتغنّي بهِ ؛ فهو أدبٌ ضائعٌ مظلوم ، استُعملَ لغيرِ ما خُلقَ لهُ ، ولغيرِ ما وُهبَ لهُ . يقول في بيت : " أنا لا أعارضُ التذوّقَ بالجمال والشعورَ بهِ ، فذلك أمرٌ طبيعيٌّ ؛ ولكن أيّ فائدةٍ للمجتمعِ من أدبٍ لم يكن تأثيرُهُ في المجتمع كتأثيرِ عصا موسى في الحجر والبحرِ ؟! " . ويعتقد محمد إقبال أنّ الأدبَ لا يصلُ إلى حدّ الإعجازِ حتى يستمدَّ حياتَهُ وقوّتَهُ من أعماقِ القلبِ الحيِّ ، ويُسقى بدمِهِ .
يقول محمد إقبال هذا ، ويرى بالعكسِ أنّ الأدبَ في الشرقِ الإسلاميّ قد أصبحَ تتحكم فيه المرأة فأصبحَ لا يتحدثُ إلاّ عنها ، ولا يتغنّى إلاّ بها ، ولا يبحثُ إلاّ فيها ، ولا يُصوّرُ إلاّ إيّاها ، ولا يرى في الكونِ إلاّ ظلّها وجمالَها ، وهذه عقيدةٌ جديدةٌ في " وحدة الوجود " التي يُمكن أن تُسَمَّى " الوجوديّة الأدبيّة " . وكأنّ الأدبَ العصريَ يُنادي بلسانِ حالِه : " لا موجودَ إلاّ المرأة " أو " لا وجودَ إلاّ الفتاة " ! يقول محمد إقبال : " أسفًا للشعراءِ والرسامين وكُتّابِ القصّة في بلادنا ، لقد استولت على أعصابهم المرأةُ " ) .
--------------------------

عن كتاب ( من روائع إقبال ) لأبي الحسن الندوي .