(ذاكرة الجرح)
ـــــــــــــــــــــ
||جعفر خليف||
في الذكرى الواحدة والثلاثين لمأساة العصر - مجزرة حماة 1982
تثورُ وتخبو جَذوةُ الجُرحِ يا (حما) ** وذكراكِ ما تزدادُ إلا تضرُّما
فحزنُ اليتامى يومُه مثلُ أمسِهِ ** ودمعُ الثكالى ما توقّفَ مذْ همى
هَرِمنا وما جفّتْ ينابيعُ حُزنِنا ** ولا نَشِفَتْ في جُرحِنا الغائرِ الدِّما
فيا جنّة (الحيَّين)* عفوَكِ إن كبا ** جوادُ قصيدي بالبكاءِ وأَحجما
نذرْتُ لِلُقيا ضفّتيكِ قصائدي ** وأطلقْتُ طيرَ الشوق نحوَكِ حُوَّما
فهلْ لي لقاءٌ في روابيكِ عاطِرٌ ** يكونُ لأوجاعي القديمةِ بلسما
******
أناديكِ يا مهدَ الأناشيدِ فاسمعي ** نداءً بألوان التباريحِ مُفعَما
ولا تعذليني إن بكيتُ فمدمعي ** أناخَ بأطلالِ المصيبةِ مُرغَما
وطاف على الأرضِ الشهيدةِ مُقسِماً ** على الحَجَرِ المَغدورِ أن يتكلّما
فهل عندَ أنقاضِ (العصيدةِ)* مُخبِرٌ **عن المَرْبَعِ البسامِ كيفَ تجهّما
وما بالُ روض (الزّنبَقيِّ)* تبدّلتْ ** خَلائِقُهُ فارتدَّ بالحزنِ مُظلِما
ومَن لي (بكيلانيّةِ)* الحسنِ والشذا ** يُخبّرُني عن صرحِها كيف هُدِّما
وكيف غدا المكنونُ من دُرِّ حُسنِها ** لدى زُمرةِ الأوغادِ نهباً مُقسَّما
وكيف نعتْ (ناعورةُ البازِ)* نفسَها ** فسارتْ مع (العاصي) رُكاماً مُهشّما
وعهدي بها تُهدي البساتينَ نَسْغَها ** فكيف غدتْ من نهرها تغرُفُ الدَّما
وكيف استحالتْ جنّةُ الأرضِ قَفرَةً ** وعُرسُ صَباياها الأميراتِ مَأتَما
تداعتْ عليها طُغمةُ اللؤمِ والأذى ** وهامتْ ذئابُ الغدرِ تفتكُ بالحِمى
فلا بيتَ إلا والدّمارُ مَعاوِلٌ ** بأركانِهِ تَهوِي فناءً مُحتَّما
دماءٌ وأشلاءٌ وصرخةُ حُرَّةٍ ** وأرواحُ أبرارٍ تعالتْ إلى السّما
******
نناديكَ يا سيف القِصاصِ أعدْ لنا ** حقوقَ أبٍ ضحّى وطِفلٍ تَيتَّما
تُناديكَ أمٌّ لم تَزَلْ تحرُسُ ابنَها ** فتزرَعُهُ حُلْماً وتَسقيهِ بُرْعُما
فلمّا استوى فَرْعاً وأزهَرَ هيبةً ** وأثمَرَ أخلاقاً وفكراً مُكرَّما
تمادى على الرَّوضِ المُؤنّقِ عاصِفٌ ** وأهوَتْ يدُ الجاني على الغُصنِ فارتمى
تناديكَ يا سيفَ القصاصِ ضمائرٌ ** يَعِزُّ عليها أن ترى العدلَ أَبكما
وليس سوى سيف القصاصِ محاوِرٌ ** يعانقُ سفّاحاً ولصّاً ومُجرِما
وإنّ يداً تمتدُّ للصُّلحِ نحوَهُمْ ** يدٌ حُقَّ أن تُعلى بسيفٍ وتُحسَما
وهل يستجيبُ الحرُّ للصُّلحِ بعدما ** سقَوهُ كؤوسَ الذُّلِّ صاباً وعلقما
******
فبالله يا أُمَّ الفداءِ تصبَّري ** فعِزُّكِ يأبى أن يُذَلَّ ويُهزَما
ويا دوحة المجدِ المُؤثَّلِ قد دنا ** صباحٌ يعيدُ الأمسَ أبهى وأكرَما
******
******
* الحيّين : يسير نهر العاصي في مدينة حماة فيقسمها إلى حيين كبيرين هما : السوق والحاضر
* العصيدة – الزنبقي – الكيلانية : ثلاثة أحياء أثرية متجاورة هدمت بشكل كامل وسوّيت بالأرض بعد المجزرة
* ناعورة الباز: الناعورة الشهيرة عند ضفة العاصي من حي الكيلانية وقد أصابها ما أصاب الحي من دمار وتخريب