الهمس يكابرُ حيناً والصمت إرتجل, والحزن غيّم ثم هطل فالروح منه إرتوت, و صرتُ كما الشئ في تجاويف العطش, ولم أعد بذاك العنفوان حين اللقاء في عهدنا, للحزن نبعٌ ولكن فيك لحزني منابع, وأجدني ألتحفُ الشَجى ثوباً وأنام ملء الاسى والدمع يرسمك دروباً على الوسادة .
هل بي مسٌ طائف ؟
أم مسّني جنون الحزن الدائم ؟
فالعاشق عندما يحزن يُغَيبه الأنين, وينزوي تحت عباءة الصمت مغشياً, ويضمُ وسادة الدمعِ بخده, ويترك القلب ينبض بالوجع, ويرسل الفكر يستجدي داعِ الفراق واسباب النوى, ولا يفضي فكري لشئ سوى غاياتكِ لزينة الحياة ومتاعها, وأتوه فاقداً دليل الوصول اليكِ و أضلُ دروب الإياب منكِ, وأجد نفسي في منتصف الطريق أقطنُ وعودكِ السرمدية التي أوفيتِ بها إفكاً وإفتراء , وعودكِ كانت أطول من تلك القصور العاجية التي تلهثين خلفها , كانت أشدُ برقاً من زجاجاتها, منقوشة بدقة أعمدتها, وعودٌ منثورة كحبات اللآلئ التي يشتهي لها غروركِ .
الروابي قاحلة بعدك, والقلب أجرد في غيابك, والهمٌ كَسَا المكان, والجسد سَرول النحول, وحفرتُ اخاديد الندم وإستدمعت المُقل, هجرتُ الليالي خشية أن اكون حبيس همومه , و نازعت النهارات خوفاً من شماتة المارين, وبقيتُ انسان ارفض الأوقات, الأزمنة بدونك تصفعني وتجردني المشاعر .
ايامٌ وليالي و انا ملجوم الأماني, مردوع الأحلام, عكسك تماماً, كلما اسرعتِ خطواتكِ نحو غاياتكِ أجد نفسي تكبح طموحاتي , ولا اشتهاء للأمنيات, وحين أرى دأبكِ في الإغتنام السهل وإرضاء غرورك كنتُ أمارس الصمت بوَجل, وابتلع الغصة كلما تبتعدين عن قلبٍ إحتواكِ جوف نبضاته .
اليوم فقط سألت نفسي , لمَ لا اتوسل اليكِ ان تعودي, رغم حزني الذي كان يسكنني مذ اسرجتِ جواد رغباتك وغادرتِ قلبي , لا اعلم تفسيراً لهذا, لماذا ألجمني الصمت وآثرت الانزواء؟ وحضنت حزني وهجرت الليالي؟ ولكني ادركت اخيراً ان العاشق الحقيقي لا يتوسل, والمحب الوفئ يجعل كرامته جناحه الأيمن وحبه جناحه الأيسر, ويفردهما معاً في خط مستقيم, لا يعلو احدهما الآخر , نعم لا يتوسل يا عزيزتي بل يجعل لكل منهما مقداراً من الاهتمام , دون اجحاف, وحين تركضين لإشباع غرورك بملذات الحياة كنتُ انصف حبك دون مقت , صان قلبي حبك كما يصون نبضاته , حملك رغم غدرك له و رعاكِ رغم إعراضكِ عنه .
الحب بحر وانت عمقه, اتذكرين هذه العبارة ؟ كانت تخرج منك بنبرة جاذبة وتجعلني أثمل , وحين لا تصرّحين بها كنت اراها لغة ً في عيونك, وفي غيابك كنت اتسلل الى مخطوطاتكِ وأقرأ , فالذكريات احياناً تعيدنا الى تتبع قصاصات الفرح التي رسمناها , الذكريات لا تبيعنا الحزن فقط , وهنا أدركت ان الحياة فرح وحزن, سقم وشفاء, لقاء وفراق, حضور وغياب , طموح وامنيات , وأدركت انكِ تبتعدين اكثر واكثر , وطموحاتكِ تقترب منكِ اكثر و اكثر .
كلما أراكِ تصعدين سلالم امنياتكِ تأبى نفسي وكره المهجور ويحلق , غدرك لي حسبته اضاعني, بل منحني قوة , اعترف اني هشّمتُ طموحاتي حينها, ولكني أحسُ التحام شئ بداخلي , كتبي المرصوصة تذكرني بأدراج السلام التي تسارعين الخطى لبلوغ العُلا , و كلما حط قدمك درَجاً كلما حضنت كتاباً وألتهمه بنهم , تسارعين نحو مجدٍ مزيف وانا اسارعُ نحو علمٍ مكتسب , هصَر اليأس و رضّ القنوط .
بنيت القصور .
وملأتُ الكنوز بالدرر .. ولا غرور
شكراً لغدرك ..