أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 13

الموضوع: اشتباك .. ( قصة قصيرة )

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد فتحي المقداد أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 995
    المواضيع : 180
    الردود : 995
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي اشتباك .. ( قصة قصيرة )

    اشتباك

    قصة قصيرة
    بقلم ( محمد فتحي المقداد )*


    لعلها المرة الأولى التي حصل فيه اشتباك، متزامن مع انصراف طالبات الثانوية من المدرسة، المقابلة للحاجز المتربع على ناصية الطريق المؤدي إلى بوابتها الرئيسة، الحاجز أصبح مصدر قلق وإزعاج لأهل البلدة عموماً، وسكّان الحي خاصة, لا سيّما أن حياتهم مرتبطة بالسوق لابتياع حاجياتهم اليومية، و المرور بهذه النقطة إجباري لا مفر منه.
    عند الاقتراب من العسكري، تخفق القلوب باضطراب وخوف، الأيدي تتلمس الجيوب للتأكد من حمل الهويّة, ولكن ما بالك إذا كانت الهوية مكسورة، فهنا تضيق الأنفاس، و تهتز الثقة بالنفس خوفاً من افتراء العسكري عليهم، بأنهم كسروها لاستبدالهم بهوية الإمارات السلفيّة، حسب ما كانت تروّج له وسائل إعلام النظام.
    الأيدي على الصدور، التراكض في جميع الاتجاهات، الالتصاق بالجدران، فئة من الطالبات حالفهن الحظ بالدخول للمحلات التجارية حيث كان بعضها مفتوح بابه.
    شاب يقف خلف الطاولة، التوتر بادٍ على ملامحه، عيناه تدوران في رأسه برأرأةٍ تَشِي بالفزع المقلق، يفرك يديه ببعضهما، وهو يعضّ على شفته السفلى، كاد الدم ينفر منها وهو لا يدري بحاله، مجموعة من الطالبات دخلن فجأة لدكانه المتخصص ببيع المواد الغذائية.
    فوجئ الشاب( خ ) بوجود الطالية ( ن ) مع المجموعة : يا إلهي هاهي أمامي بشحمها ولحمها، نورها كالقمر أضاء المحل، كم تمنيت مواجهتها وجها لوجه، ملأت عليّ حياتي، أحببتها فقط أنا، هي لا تدري بحبي لها، الخجل يمنعني من التصريح بمشاعري، ولكن ما العمل ..؟، وكيف لي أن أتصرف ..؟، الحيرة تقتلني، والمفاجأة تعقد لساني عن التفوّه ولو بكلمة.
    صوت الرصاص صمّ الآذان، وسيطر على الموقف، فلا تسمع صوتاً إلاّ همساً، خوفاً وتحسُّبا، نصف ساعة من الزمن امتدت عليها فترة الاشتباك بلا توقفٍ، غريزة القطيع سيطرت على الجميع، وحدها العيون تتحرك، والألسنة جامدة منخرسة لا تقوى على الكلام ولو همساً.
    طلقة طائشة ارتطمت ببوابة الدكان المغلة، أثارت هلعاً، مما أخرج البنات من حالة الصمت المطبق، إلى الصراخ الحاد، في الخوف ينقلب كل شيء إلى مَوَاتْ، وتهبط المعنويات لدرجة يكاد أن يكون القبر حاضراً متخيلاً أمام أعينهم، و تصبح الحياة لا شيء، والتشبث بها دافع للنجاة.
    قدماه ترتجفان، قلبه يخفق بقوة جعلت القميص يتحرك على وقع قلبه، رغم ذلك يتشجع الشاب ( خ ) ليظهر شجاعته ورجولته المكبوتة أمام البنات، ليقول : اطمئنوا جاءت سليمة، ويمشي مجازفاً باتجاه الباب، يرفع الباب السحّاب للأعلى، يجثو على ركبتيه، أطلّ برأسه من الفتحة التي أحدثها، رأى الطريق خالية تماماً، إلاّ من شاب و أمه يلوذان في زاوية متواريةٍ مقابلةٍ لدكانه، قام من مكانه متجهاً للثلاّجة، أخرج منها زجاجة ماء، شرب منها، وناول أخرى للبنات الواقفات، وهو متأكد أن حلوق الجميع جفّت، كما حصل معه.
    عاد لمكانه على الكرسي وراء الطاولة، تلاقت عيونه بعيونها، سرح بعيداً، غاب على الوجود، جرى حديث مُبهم لا يعرفه إلا ( خ و ن )، اتسعت حدقتا عينيه، فسالت منهما دموع قاسية رغماً عنه، راح يجففهما بمنديل أخرجه من جيبه، هي غضّت بصرها خَفَراً وحياء، وتوارت برأسها خلف رأس إحدى زميلاتها.
    هدأت الزوبعة، وصفا الجوّ من الأزيز، هدأت القلوب بعد ارتجاف، الأصوات تعلو في الخارج، قام من مكانه رافعاً الباب للأعلى، أطلّ برأسه في اتجاهات مختلفة، خرج صوته متلعثماً : يبدو أن الأمور هدأت، هيّا توكّلوا على الله، فقد ذهب الخطر.
    كما أن الشاب الذي برفقة أمه نادى بأعلى صوته : هيّا بنا نذهب بسرعة قبل أن يتجدد الاشتباك ثانية, الحمد لله على الجميع، أكيد لم يُصَبْ أحد بمكروهٍ، لا سمح الله.
    اتكأ الشاب ( خ ) على زاوية الباب، وهو يرقب خطوات ( ن ) فقط من بين زميلاتها، حتى انعطفت إلى طريق فرعي يؤدي إلى بيتها. غرق في نسج خيالات بعيدة وقريبة، بنى عليها قصوراً من الأحلام، رنين الموبايل أخرجه من حالته على صوته أبيه ليطمئن عليه، و الاستفسار عمّا حصل.

    عمّان
    14 \ 5 \ 2015

  2. #2
    مشرف قسم القصة
    مشرف قسم الشعر
    شاعر

    تاريخ التسجيل : May 2011
    المشاركات : 7,009
    المواضيع : 130
    الردود : 7009
    المعدل اليومي : 1.49

    افتراضي

    أخي الأستاذ محمد فتحي المقداد

    نص جميل ..ومشهد نقلته ببراعة يصف الأجواء التي تصاحب الحرب والألم ..المشاعر وما تختلجه في القلوب من حبّ و كره تبقى حاضرة حتى في أجواء الحرب وإن اتشحت بلباس الألم والخوف ..
    تقديري ومودتي .
    وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن

  3. #3
    الصورة الرمزية خلود محمد جمعة أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2013
    المشاركات : 7,724
    المواضيع : 79
    الردود : 7724
    المعدل اليومي : 1.99

    افتراضي

    في زمن الحرب لبس الحب ثوب الخوف حتى اخفى معالمه
    التقاط لاشتباك الرصاص مع النظرات بظل الخوف رائع
    قصة جميلة وحرف متألق
    بوركت وكل التقدير

  4. #4
    الصورة الرمزية محمد فتحي المقداد أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 995
    المواضيع : 180
    الردود : 995
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد السلام دغمش مشاهدة المشاركة
    أخي الأستاذ محمد فتحي المقداد

    نص جميل ..ومشهد نقلته ببراعة يصف الأجواء التي تصاحب الحرب والألم ..المشاعر وما تختلجه في القلوب من حبّ و كره تبقى حاضرة حتى في أجواء الحرب وإن اتشحت بلباس الألم والخوف ..
    تقديري ومودتي .

    أستاذ عبدالسلام دغمش
    أسعد الله أوقاتك بكل الخير
    الألم على مدار الأيام، اختلط بكل
    شيء حياتنا وصار جزءاً منها
    يعشعش في ثناياها..
    مودتي تقديري

  5. #5
    الصورة الرمزية محمد فتحي المقداد أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 995
    المواضيع : 180
    الردود : 995
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خلود محمد جمعة مشاهدة المشاركة
    في زمن الحرب لبس الحب ثوب الخوف حتى اخفى معالمه
    التقاط لاشتباك الرصاص مع النظرات بظل الخوف رائع
    قصة جميلة وحرف متألق
    بوركت وكل التقدير

    أستاذة خلود
    أسعد الله أوقاتك بكل الخير
    مواسم الحب لا تتوقف تحت أي ظرف
    فالمشاعر متذفقة في القلوب ..
    تحياتي .. دمت بود

  6. #6
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.71

    افتراضي

    أمام زخم المعاني التي زخر بها النص دالة على كم المعاناة في ظل المشهد الموضوع بمهارة وعمق إحساس وفهم مكنا الكاتب من تصوّر اللقطة وتصويرها
    أكتفي بالمتابعة صامتة

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  7. #7
    الصورة الرمزية محمد فتحي المقداد أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 995
    المواضيع : 180
    الردود : 995
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ربيحة الرفاعي مشاهدة المشاركة
    أمام زخم المعاني التي زخر بها النص دالة على كم المعاناة في ظل المشهد الموضوع بمهارة وعمق إحساس وفهم مكنا الكاتب من تصوّر اللقطة وتصويرها
    أكتفي بالمتابعة صامتة

    تحاياي

    أستاذة ربيحة ..
    أسعدك الله
    بدوري أحييك على بلاغة صمتك الواعي
    تحياتي نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  8. #8
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,134
    المواضيع : 318
    الردود : 21134
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    على أنغام صوت الطلقات في الأشتباك التي تصم الآذان
    وتثير الهلع ويصبح الموت حاضرا فترتجف الأقدام
    وتهبط المعنويات ـ يبقى للقلوب حديث آخر تتولى العيون
    إيصاله متحدية الخوف، ويشرع الخيال في بناء قصور من
    الأحلام.
    ويبقى الواقع يفرض نفسه على حروفنا فيلونها بلون الحرب
    والرصاص والخوف والألم ... ولكن الحياة لا تتوقف.
    بوركت على ما تجود به أناملك التي تجيد العزف على الحرف
    بسرد متقن قوي، ويراع متمكن وفكر عميق. نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  9. #9
    الصورة الرمزية محمد فتحي المقداد أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 995
    المواضيع : 180
    الردود : 995
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناديه محمد الجابي مشاهدة المشاركة
    على أنغام صوت الطلقات في الأشتباك التي تصم الآذان
    وتثير الهلع ويصبح الموت حاضرا فترتجف الأقدام
    وتهبط المعنويات ـ يبقى للقلوب حديث آخر تتولى العيون
    إيصاله متحدية الخوف، ويشرع الخيال في بناء قصور من
    الأحلام.
    ويبقى الواقع يفرض نفسه على حروفنا فيلونها بلون الحرب
    والرصاص والخوف والألم ... ولكن الحياة لا تتوقف.
    بوركت على ما تجود به أناملك التي تجيد العزف على الحرف
    بسرد متقن قوي، ويراع متمكن وفكر عميق. نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    أستاذة نادية
    أسعدك الله
    وقع الحياة لا يتوقف، وإن كانت حالة
    الخوف هي المسيطرة..
    دمت بكل تقدير

  10. #10
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي

    صورة من صور الحرب وويلاتها بسرد مؤثّر ولغة معبّرة
    وتظل صفة الإنسانيّة أقوى من كلّ الرّصاص!
    بوركت
    تقديري وتحيّتي

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. قصة قصيرة ......... العازف
    بواسطة تعب في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 02-08-2016, 10:13 PM
  2. فارس . كم( قصة قصيرة)
    بواسطة سعد جبر في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 04-06-2016, 08:44 PM
  3. نــهــــاية غــصــن (قصة قصيرة)
    بواسطة عبد الواحد الأنصاري في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 22-05-2016, 08:00 AM
  4. فض اشتباك ..
    بواسطة محمد فتحي المقداد في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 28-02-2015, 07:16 PM
  5. بريق في عيني أمي .. (قصة قصيرة)
    بواسطة نهاد صلاح معاطي في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 03-11-2003, 09:52 PM