بعد ليلة هادئة أمضيتها في أعماق الصحراء
أخذني النعاس فيها إلى نوم عميق , لم أفق منه إلا بعد بزوغ الشمس
عدت منها براحلتي إلى مملكتي عبر آكام وقفار, فدخلت مدينتي التي تعودت العيش فيها ,
فمررت من أحد مداخلها, ثم توغلت إلى داخلها
أنها موحشة ! لم أصدق أن هذه مدينتي
أكاد أجن !
الأسواق مغلقه والحركة ساكنة ! يا لها من شوارع منظمه ومباني رائعة لكنها مهجورة!
ماذا حدث ؟ ماذا حل بأهلها ؟ وهل من أحد ؟ أنادي ؟ لا مجيب ! أرفع صوتي محاولاً مده فينقطع فجأة !
أتساؤل ماذا حصل لأوتار حنجرتي ؟؟
أضع يدي على حنجرتي والأخرى أعلى شفتي , أرفع صوتي , وأمده رغم ألمي موزعاً نداي في كل اتجاه
أصمت فأنصت , أتسمع لرجع الصوت
لا رجع لصوتي ؛ لاشيء عدا أزيز وضجيج صوتي !
يا لها من أطلال رائعة ومساكن وأماكن أروع !!
أمشي كمشدوه تاه في غابة موحشة !
أنادي يا مساكن , يا أماكن , يا منابر , يا معابر ! لا أحد !!
فأمضي ويمررني الطريق على حيها القديم أو القرية المهجورة ! التي كانت تسكنها
أنها ركام طين , وبقايا أخشاب نحلها السوس , وعسيب نخل
سبحان الله العسيب لا يزال على حاله لم يأكله النمل الأبيض!
هذا سر أجهله!
وهذه أيضا بقايا سيقان القمح في ركام الطين لم تتغير !
سبحان الله !
إنني أكتشف سراً من أسرار البقاء والوجود!
وفجأة أسمع صوتاً فأنصت , أتلفت يميناً وشمالاً لا أحد !!
أشاهد منارة قائمة في ركام مبانٍ قديمة أتخطى الركام وأتجه إلى المنارة ؛
أنها منارة مسجدٍ هذه خلوته , وهذا عريشه لا يزال .. وهذه قبته المرفوعة على الحجر !
هاهي جدرانه لا تزال قائمة على سيسانه الحجرية يا له من بنيانٍ صامد
أدور حول المسجد العتيق , فأشاهد حجرة ملاصقة له لم تغيرها السنون ؛ نافذتها إلى الشرق وبابها إلى القبلة !
أتفحص بابها ؛ انه ألواح من الخشب المزخرف بالنقوش الإسلامية وقوائمه أعمدة موسرة ( بالقد (!
بعد ما قمت بتفحصه وهممت بالانصراف منه رغبة في تكملة مسيري , وبحثي في القرية
إذ بالباب ينفرج من خلفي عن صوتٍ جشٍ رخيمٍ متضارب منادياً ( من في الباب ) أسمي على نفسي بسم الله (
وإذا بامرأة تخرج من تلك الغرفة قائلة : أفلح من ذكر الله !
أنها عجوز قد انحنى ظهرها ونحل عودها ؛ إلا أن علامات الرضا والإيمان تتلألأ على محياها!
وملابسها نظيفة, لكنها قديمة لم أرها قط في الأسواق وبمعصميها أساور من فضه , وفي طرحة خمارها خرز من الأحجار الكريمة!
سألتها : هل أنتِ مقيمة هنا ؟
فقالت : نعم
فسألتها عن أهلها فقالت : الديار قفر وأهلها رحلوا ! فقلت أهلنا رحلوا !!
,
بقلم : ناجي العازمي