قصة
رحيل !!
للشمس أنامل مشعة تحمل البهجة ودغدغات الفجر على أطرافها
تشق النوافذ وتحيط الخاصرات اليافعة تداعبها كأم حنون
لذلك هي لا تغلق نوافذها في مثل هذا الوقت من العام فنيسان شهر تبتهج به الشمس
تحمل دفء الربيع وحلاوة أول الصيف فتكون
كفنجان قهوة أعد على مهل على يدي جدة رءوم
فالجدات وحدهن يعلمن متى تكون حبات البن مستعدة لأن تطحن وتأتينا بأطيب المذاق لذلك كل يوم يبدأ دون قهوة الجدة وفجر منبثق من رحم شمس حانية لا يستحق أن يحتسب على أجندة العام
هكذا تعشق نيسان كعشقها للولوج في كنف الحياة تبدأ النهار بشمس تذغدغ الخاصرة وجدة حانية تحمل الصباح بفنجان قهوة
للحروب مخلفات ماكرة تعلقنا على نواصيها بحبال واهنة لكننا نتشبث بها لأنها وحدها الباقية
ليس غريبا أن تبتلع الحرب كل عائلتها ولا ترحم نعومة أظافرها
وليس غريبا أن تلقي بها الأقدار على أكتاف الجدة المسنة لتصبح كل محيطها
في الحروب.... لا رحمة ولا قانون
ولا يوجد بها من هو صغير على الموت حتى الطيور مشروع ميت جديد
هكذا نمى بها مفهوم الموت ومعنى الوجع الذي سكن ضفائر جدتها البيضاء
كل يوم هي تشرب قهوتها على قرع خطوات الألم بين تجاعيد العمر على جبين الجدة،والجدة تشربها كنخب في صحة صورة باقية لعائلتها
تضحك من نفس الدمعة المتأرجحة على بوابة عيني جدتها تمسحها بطرف أناملها وتقول
تبا جدتي لا أعلم كيف تتحكمين بمقدار هذه الدمعة لا تزيد ولا تقل
كأن بعينك ميزان يسكبها دون زيادة أو نقصان
يا فتاة يكفيك استظرافا فأنت تماما كوالدك تضحكين حتى والنزف بخاصرتك
وما الحل جدتي؟؟
أن لم أضحك أنا من الحياة الآن ستضحك هي مني
فدعيني بالضحكات العابثة أقهر ذلها
ولكن أتعلمين ما أعشقه جدا بعد كل حوار بيننا
ما هو يا صغيرتي ؟! فأنا باقية لزرع الحب بدربك فأنت كل ما بقي لي بعد أن غفل عنك الموت
..... عناقك هذا جدتي
لا أعلم لمَ تحملين عطر الأرض والأهل والعمر بين ضفائرك
فدعيني أتنفس الحياة قبل أن أذهب
صغيرتي ابقي اليوم هنا
فالأنباء لا تسر
آآه جدتي لو بقيت مثلك أخشى الحياة فمتى سأكمل دربي
ولكن يا صغيرتي أخشى عليك نعقة غراب
فالقصف يتكرر هنا وهناك بين الحين والآخر
وأنت كل ما لدي الآن
جدتي هيا قبليني لأذهب فالدرب طويل والوقت قصير
وحدهن الجدات اللواتي يبقين
يمسحن غبار العمر عن الذكرى والذاكرة
دائما صور صغيرتها تأخذ أطول وقت في التنظيف وتتمرد عن الجدار فتغفو بين يديها
انجي يوسف