أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 17

الموضوع: الشبح

  1. #1
    الصورة الرمزية هشام النجار أديب
    تاريخ التسجيل : May 2013
    المشاركات : 959
    المواضيع : 359
    الردود : 959
    المعدل اليومي : 0.24

    افتراضي الشبح

    كان وحده.. الشارع خال تماماً من المارة.. أضواء لامعة على الجانبين وسكون لم يعهده من قبل على المدينة الصاخبة .

    أين ذهب الناس ؟
    في هذا الوقت يومياً يضج هذا المكان بالبشر ، وتختلط فيه أصواتهم وصيحاتهم ونكاتهم وتعليقاتهم السياسية ومصطلحاتهم التجارية ووشوشاتهم الغرامية وثرثرتهم اليومية .

    في هذا الوقت يزدحم الميدان بالمارة والباعة والسيارات والدراجات البخارية على اختلاف أنواعها وأشكالها .. وتمتلئ المحلات بالشباب والفتيات والخليجيين والأجانب .. ما الذي حدث؟
    أين اختفوا فجأة ؟

    توقف بالسيارة الكاديلاك السوداء في منتصف الطريق بمحازاة الكورنيش .. ضغط بعنف على أزرار هاتفه.. حاول مرة ثانية .. جرب مرات ومرات.. اتصل بمن يعرف ومن لا يعرف ، وفي كل مرة يأتيه ذلك الصوت الآلي الرتيب البارد ( الهاتف قد يكون مغلقاً أو خارج نطاق الخدمة )

    خرج من سيارته.. دارَ حول نفسه في ميدان الكورنيش.. ماذا ؟
    هل أصبح وحده في هذه الدنيا الواسعة ؟
    هل فني الناس جميعاً في لحظة واحدة ولم يتبق إلا هو على سطح الأرض ؟

    رفع صوته زاعقاً .. ردد في هستيريا كل الأسماء التي خطرت على باله.. نادى على أقاربه وأصدقائه وعلى الموظفين عنده في المؤسسة وعلى الخدم عنده في القصر .
    استصرخ الأحياء والموتى .. توسل إلى المشهورين والمغمورين .. استنجد بالقدامى والمحدثين .

    البيوت خالية ، يسكنها الصمت.. والشرفات والشركات والأندية والمحلات التجارية .. ما الذي حدث؟ هل اتفق الناس جميعا على أن يلعبوا معه (الكاميرا الخفية) ؟
    ماذا أصابهم ، هل أغار عليهم العدو بسلاح كيميائي أو بيولوجي .. إذن، أين رفات الموتى .. أين جثثهم ؟

    استقل سيارته التي صارت وحيدة هي الأخرى في شوارع المدينة الخاوية .. وبسرعة جنونية تمنى معها أن يصطدم بأحدهم أو أن يصدمه أحدهم .. أو أن يستوقفه واحد من رجال المرور الذين طالما تكبر عليهم ليسجل عليه مخالفة ويفرض عليه غرامة.. تمنى أن يقابل ولو أبغض الناس لديه وأشدهم عداوة له .. تمنى لو يرى خيال إنسان أو أن يشم رائحة عرق كائن حي .. تمنى لو يعترضه أحد اللصوص أو قطاع الطرق ويخيره بين حياته وممتلكاته.. تمنى لو يستوقفه أحد الفقراء الذين طالما احتقرهم وأعرض عنهم وأغلق دونهم بابه .. تمنى لو يسمع توبيخ أحدهم له ودعائه عليه .

    توقف أمام المقهى الأثير لديه في حى الحسين .. أخرج علبة سجائره المستوردة ووضع نظارته السوداء.. ونزل من سيارته بكبريائه القديم .
    جلسَ كعادته على كرسيه منتفخاً .. أشعل سيجارته وطلب قهوته وأخذ في الحديث مع رفاقه الذين تخيلهم أمامه .. وارتج المقهى بضحكاته المعتادة الممتدة العالية .. انتفض من مكانه مذعوراً عندما استيقظ على خلو المقهى .. خاف على نفسه الجنون .. نزع النظارة وقذف بالسيجارة على الأرض .. وفي طريقه إلى السيارة مرة ثانية أطاح بموائد وكراسي المقهى الخالية .

    توجه إلى قصره .. بحث في كل مكان .. لجأ إلى مؤسسته حيث لم يستدل على أثر إنسان .

    توجه إلى الحارة القديمة حيث وُلد وتربى .. اشتم رائحة البؤس التي نسيها منذ زمن بعيد .. أحسَ بأنه يسير وسط القبور .. وبأنه إما ميت لا يزال متعلقاً بدنياه التي فاتها متحسراً عليها ، حيث المتع والنعيم.. وإما أنه لا يزال حياً ولكنه أدرك نهاية العالم أو أصابته لوثة من جنون .

    توقف أمام بيت عائلته القديم في أحد الأزقة الضيقة .. لم يصدق نفسه عندما لمحَ شيئاً يتحرك كأنه إنسان جالس على أحد الأرائك الخشبية المتهالكة .

    انطلق ناحيته .. توقف خلفه وراح يراقبه في صمت.. انه شبح لا ملامح له ولكنه يتحرك .. يضع شيئاً من الملح الذي أمامه في قطعة خبز ويأكل .

    أصابه الفزع من منظر ذلك الكائن الغامض.. فكر في الهرب.. وعندما هم بالرحيل سمعَ من يناديه باسمه ويدعوه للجلوس .

    تقدم مرعوباً بقدمين مرتجفتين .. جلسَ على حافة الأريكة خائفا منزوياً .

    ألا تعرفني ؟

    نظر إلى وجه غائر أسطوري لم يرَ مثله من قبل .. وسأله من أنت .. وأين أهل الحارة.. وأين عائلتي.. وأين الناس؟

    لا تسألني عن أحد.. اسألني عن نفسي فقط ؟

    إذن من أنت ؟

    أنا أحد أصدقائك القدامى .. أنا واحد من أبناء الحارة.. أنا أحد الفقراء الذين طردتهم من قصرك .
    ألا تذكر ذلك اليوم الذي جئتك فيه وطلبت مقابلتك.. كان لي طلب واحد فقط .. كنت أحمل أمنية واحدة وحلم بسيط .. سألتني ابنتي عن أصدقائي فذكرتك من ضمنهم.. وذكرت ثراءك وشهرتك.. فرحت ابنتي لأن لي صديق مثلك.. وتمنتْ لو نقوم بزيارتك ونقضى يوماً كاملاً في قصرك ونتناول غذاءً فاخراً في حضرتك.. ألا تذكر؟
    يومها رفضت حتى رؤيتي .. وعدتُ أنا إلى ابنتي التي سألتني عن موعد الزيارة.. فلما أخبرتها بما حدث ، عيرتني بك.
    تقابلَ الوجهان فى نظرة تاريخية ، عينا بقايا انسان تنزف خزياً وشكوى جارحة أمامَ عينى آخر انسان على الأرض .
    قامَ الرجل الشبح.. وسار في الزقاق الضيق إلى أن اختفي عن الأنظار .. اختفي هو الآخر مثل الباقين .. وتركه وحيداً خائفاً منزوياً على الأريكة المتهالكة .

    اختفي الشبح وترك له الدنيا .
    تركها له وحده .

    تجمدَ في مكانه ، وشيعَ الشبح بنظرات يائسة.. وتمنى لو بقى معه قليلاَ ليحدثه ويؤنسه .. وليأكل معه ( عيش وملح )

  2. #2
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,787
    المواضيع : 392
    الردود : 23787
    المعدل اليومي : 4.13

    افتراضي

    هو من صنع بيديه مدينة أشباح موحشة لاينفعه فيها ثراء ولا قصور
    نص يحمل الحكمة فلا يستطيع أحد الحياة وحيدا لافظا للمجتمع بتعالٍ لأنه يرى نفسه فوقهم وهنا تكبر ومنع وأهان ونسى أنه " من تكبَّر ذلَّ "
    سرد جميل سلس ولغة انطاع لها البيان وحبكة قصصية متينة
    سررت بمعانقة جميلتك أديبنا الفاضل
    بوركت واليراع
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    الصورة الرمزية عبد السلام هلالي أديب
    تاريخ التسجيل : Sep 2012
    الدولة : المغرب
    العمر : 43
    المشاركات : 983
    المواضيع : 44
    الردود : 983
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    في غياب الآخرين نتحول إلى أشباح ، لأننا نحتاج دوما لوجود من يسلط الضوء على ذواتنا و يقنعنا بوجودنا
    ''حتى الحاكم لا يكون سعيدا بحكمه إلا بشعب يحكمه''
    لا يمكن لأحد العيش دون الآخرين مهما علا شأنه و قوي سلطانه و عظمت ثروته.
    حكمة قدمها لنا النص باشتغال جميل على اللغة و السرد.
    تحيتي و تقديري أخي هشام
    اللهم اهدنا إلى ماتحبه وترضاه

  4. #4
    الصورة الرمزية سامية الحربي أديبة
    غصن الحربي

    تاريخ التسجيل : Sep 2011
    المشاركات : 1,578
    المواضيع : 60
    الردود : 1578
    المعدل اليومي : 0.34

    افتراضي

    ما قيمة هذه الدنيا بكل ملذاتها إن لم يتقاسمها معك الأخرون؟
    سرد ماتع ولغة أنيقة أديبنا الكريم .دمت موفقًا .تحياتي وتقديري.

  5. #5
    الصورة الرمزية خلود محمد جمعة أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2013
    المشاركات : 7,724
    المواضيع : 79
    الردود : 7724
    المعدل اليومي : 1.99

    افتراضي

    الغنى غنى النفس
    وهذا الأنسان عاش فقيرا ومات فقيرا
    قد يكون حولك مئات الأشخاص وتشعر بالوحدة
    وقد تكون بمفردك وتشعر انك ملكت كل شيء لان الله معك
    دام حرفك جميلاً
    مودتي وتقديري

  6. #6
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي

    قصّة رائعة السّرد والفكرة التي عرضت بأسلوب شائق
    كلّ شيء يتغيّر والإنسان يحتاج دائما للضّمير الصّاحي ليذكّره وينبّهه
    بوركت
    تقديري وتحيّتي
    ( تمنّيت خلّوها من بعض الأخطاء اللّغويّة)

  7. #7
    الصورة الرمزية هشام النجار أديب
    تاريخ التسجيل : May 2013
    المشاركات : 959
    المواضيع : 359
    الردود : 959
    المعدل اليومي : 0.24

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة آمال المصري مشاهدة المشاركة
    هو من صنع بيديه مدينة أشباح موحشة لاينفعه فيها ثراء ولا قصور
    نص يحمل الحكمة فلا يستطيع أحد الحياة وحيدا لافظا للمجتمع بتعالٍ لأنه يرى نفسه فوقهم وهنا تكبر ومنع وأهان ونسى أنه " من تكبَّر ذلَّ "
    سرد جميل سلس ولغة انطاع لها البيان وحبكة قصصية متينة
    سررت بمعانقة جميلتك أديبنا الفاضل
    بوركت واليراع
    شرف لنا هذا الحضور سيدتى الكريمة المبدعة الكبيرة أستاذتنا آمال المصرى ، شكراً جزيلاً لحرفك الراقى وباقات امتنان لهذا الثناء المبهج الذى يجعلنا نواصل المسير فى العمق الانسانى لخدمته وتهذيبه بفرح .
    جعله الله فى موازيننا وتقبله منا خالصاً لوجهه الكريم .
    دمت بألف خير .. تحيتى ودعواتى وعظيم امتنانى

  8. #8
    الصورة الرمزية هشام النجار أديب
    تاريخ التسجيل : May 2013
    المشاركات : 959
    المواضيع : 359
    الردود : 959
    المعدل اليومي : 0.24

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد السلام هلالي مشاهدة المشاركة
    في غياب الآخرين نتحول إلى أشباح ، لأننا نحتاج دوما لوجود من يسلط الضوء على ذواتنا و يقنعنا بوجودنا
    ''حتى الحاكم لا يكون سعيدا بحكمه إلا بشعب يحكمه''
    لا يمكن لأحد العيش دون الآخرين مهما علا شأنه و قوي سلطانه و عظمت ثروته.
    حكمة قدمها لنا النص باشتغال جميل على اللغة و السرد.
    تحيتي و تقديري أخي هشام
    صدقت أخى الكريم الأديب الكبير عبد السلام الهلالى فى هذا الطرح النقدى المتوازن المكثف الذى أضاء أبعاد القصة وحدد مراميها .. نحن بمفردنا لا شئ بل نتحول لكائنات أسطورية مرعبة توشك على الانقراض .
    أكرمك الله أخى وممتن لهذا التواصل الثرى .. مودتى وتحياتى .

  9. #9
    الصورة الرمزية هشام النجار أديب
    تاريخ التسجيل : May 2013
    المشاركات : 959
    المواضيع : 359
    الردود : 959
    المعدل اليومي : 0.24

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غصن الحربي مشاهدة المشاركة
    ما قيمة هذه الدنيا بكل ملذاتها إن لم يتقاسمها معك الأخرون؟
    سرد ماتع ولغة أنيقة أديبنا الكريم .دمت موفقًا .تحياتي وتقديري.
    هذا هو السؤال سيدتى الكريمة والذى يجب أن يكون منطلق حضورنا الانسانى فى الحياة : ما قيمة هذه الدنيا بكل ملذاتها إن لم يتقاسمها معك الأخرون؟ الحياة أخذ وعطاء وتواصل واثراء ، ولقد تساءلتُ أنا ماذا لو قبل الرجل دعوة رفيقه الفقيرة ولبى طلب صغيرته شفقة بها واحتراماً لانسانيتها ومشاعرها وطفولتها وطموحها .. ربما أوصلها هذا الطموح يوماً الى مستوى يليق علميا واجتماعيا ومكانة لأن يخطبها الثرى لابنه فيما بعد فى اثراء لحكايات الانسان والسعادة والنهايات المبهجة لابقاء هذا المجتمع متماسكا وابقاء نسله على نفس القيم من الود والمحبة الخالصة والتواضع ... اما بدون ذلك فنحن فى شبه انقطاع ..
    ما أردت قوله استاذة غصن أن الحياة بدون التواصل الانسانى والعطاء المجرد هى فى حالة انقراض وفناء ودمار .. لا تغرك مظاهر الحياة والتقنية والرفاهية والبشر الكثيرين .. انها كثرة كغثاء السيل لا قيمة ولا معنى ولا أسس وعوامل للبقاء .
    شكراً جزيلاً لك ايتها المبدعة الكبيرة .. تقبلى تحياتى وتقديرى .

  10. #10
    الصورة الرمزية هشام النجار أديب
    تاريخ التسجيل : May 2013
    المشاركات : 959
    المواضيع : 359
    الردود : 959
    المعدل اليومي : 0.24

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خلود محمد جمعة مشاهدة المشاركة
    الغنى غنى النفس
    وهذا الأنسان عاش فقيرا ومات فقيرا
    قد يكون حولك مئات الأشخاص وتشعر بالوحدة
    وقد تكون بمفردك وتشعر انك ملكت كل شيء لان الله معك
    دام حرفك جميلاً
    مودتي وتقديري
    أتشرف دائماً بهذا الحضور السخى سيدتى الكريمة خلود جمعة ، ولقد أوجزت هنا القضية فى كلمات مكثفة ومعبرة ، فلا انسان بلا تواصل ولا قيمة لوجوده بدون عطاء وبذل وتضحية لأجل الآخر .
    دام لنا عطاؤك وألقك أيتها المبدعة الكبيرة .

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. من ذاك الشبح ؟
    بواسطة الفرحان بوعزة في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 02-09-2019, 08:49 PM