قال الطفل لأمه : أمي رأيتُ حماراً يعيش في قصر من ذهب ويأكل في آنية من فضة ، يلبس الحرير ولا يتوقف عنه التكييف ، قصر شامخ وحرس كثر حوله ، يتوسد أريكة فخمة باهظة الثمن ونحن نفترش الأرض ونتلحف السماء ، يأكل أطايب الأطعمة والفاكهة ونحن لم نأكل منذ أمس وآخر مرة رأيت فيها الفاكهة كانت قبل استشهاد والدي ، أتعلمين يا أمي عندما سعل سعلة واحدة اجتمع حوله أطباء يتحدثون بكل اللغات وأجروا له العديد من الفحوصات ، وأنتِ تسعلين منذ ثلاثة أسابيع ولم يأتِ طبيب واحد ليراكِ ، أتعلمين أنه عطس فشمتوه ، ونحن نعطس كل يوم ولم نجد من يشمتنا ، أتعلمين سمعت اثنين من الحراس يقولان بأنه سيسافر إلى فرنسا شهراً كاملاً للاستجمام ، ونحن لم يحالفنا الحظ بالسفر إلى المدينة المجاورة ساعة واحدة للتنزه ، وبينما أنا واقف يا أمي قالوا له :أطربنا يا عندليب بصوتك الرنان فنهق بصوتٍ عالٍ، فسددت أذنيَّ وصرخت قائلاً : اصمت يا شيطان ، وبعدها لم أعرف ماذا جرى لي ؟ فتحت عينيَّ وإذ أنا في متر مظلم معلق ومصفّد من قدميَّ ويديَّ وأشخاص يرتدون ملابس سوداء حولي، يلوح لي أحدهم بالسوط، جلدوني وجلدوني، ثم قالوا لي: لقد أصيب سيدنا بالاكتئاب، نحتاج إلى شهور طويلة لعلاجه ولتعديل مزاجه أيها الغبي، قلت: ياه كل هذا من كلمة، إذاً كم نحتاج نحن لعلاجنا؟ قتلتم أبي أمامي، ونثرتم أشلاء إخوتي، قوَّضتم داري .. وموطني، وتقول أصبح متشائم من الحياة، ماذا عنا نحن؟ أصبحنا لاجئين، مُشردين لا أحد ينظر إلينا، حتى البحر لم يتركنا في سبيلنا، أين هي الطفولة يا منظمة الطفولة؟ أين حقوق الإنسان؟ أم أن الحيوان حقوقه محفوظة مصونة، لم يردوا على أسئلتي يا أمي وأطلقوا سراحي.
خرجت لأجده جالساً يشاهد التلفاز .. والبعض يعزفون له الموسيقى .. وآخرون يقومون بتدليك جسده ونحن تدلكنا الأيام!
أتعلمين يا أمي ...
- كفى يا بني كفى، لا تعمق جروحي، لا تفتح عينّي، فلهم الدنيا ولنا الجنان إن شاء الله.