أبداً ,, لن أُصدِّق!
أنَّ الألحانَ العظيمةِ الكريمةِ السَّاحرةِ , التي تدفَّقت من صدرِ بتهوفن ,,
لم تكنْ موجودةً من قبل ,
وأبداً لا أصدِّق !
أنَّ الصوتَ الحريريِّ الرقيقِ المتينِ الشَّجيِ الحالم ,, الذي تدفَّق من قلب العندليب الأسمر ,,
لم يكنْ موجوداً قبلَه,
ولا أُصدِّق ,,,
أنَّ قوَّةَ التَّفكير , وقوَّةَ الإبداع , والقدرةَ على الإختراع التي كانت في عقلِ توماس أديسون ,,
لم تكنْ موجودةً من قبل ,
فهذه المواهبُ الفذَّة , التي هي عطاءات الله, كانت تتنقَّلُ عبرَ أجدادهم وجدّاتهم, وعلى مدى العصور ,
وظلَّت تسري في دمِ الأجيالِ , كسريان التَّيارِ في الأسلاك, حتى جاء العصرُ المناسب, والمناخُ المناسب , والأدواتُ المناسبة,
لبزوغِها وسطوعِها واكتمالِها,
وستظلُّ موجودةً إلى أبدِ الدَّهر ,
فلا يعرفُ أحدٌ متى ستُطلُّ برأسِها ثانية ,
وأية بيضةٍ ستفقسُ عنها ,
عندها ,, ستظهرُ أكثر , وتسطعُ أكثر , وتكتملُ أكثر وأكثر ,
لكن ,, في الزَّمنِ المناسب , والمناخِ المناسب , وتوفُّر الأدواتِ المناسبة .
لننتظرها ,,,
*****
بالأمسِ البعيد ,,, قالَ لي ,
ليت أُمِّي مثلَ أُمِّك ,, ليتني منكم ! ,
بيتُكم كالبُستانِ النَّديّ , وبيتُنا يبدو مثلَ صحراءٍ ناشفةٍ مهجورة ,
أُمُّكم حاضرةٌ دائماً , تطعمُكم عندَ الجوعِ , وتدفئكم في البردِ , وتحنو عليكم ,وتهتمُّ بكم ,
أُمّي ,, تحبُّ العملَ كثيراً , وتحبُّ المالَ أكثرَ منِّي , وأكثرَ من إخوتي وأخواتي وأبي ,
أُمُّكم تتحركُ في بيتِكُم كقطعةٍ من النُّور ,
أُمُّنا غائبةٌ , وإن وجدناها ,, نجدُها متعبةً ومرهقة , وتحتاجُ من يعتني بها ,
كم نتمنّى أن نرى طيفَها في البيت , عند عودتِنا إليه ,
هذا حلمٌ بعيد ,
أُمُّكم تعطيكُم كلَّ ما تحتاجون إليه ,
أُمِّي لا تعطينا شيئا ,, إنَّنا نحتاجُ ,, حتى الطعام ,
ونحتاجُها أكثر ,,
ماذا لو وزَّعت وقتَها بالتَّساوي ؟؟
نحن أولادَها ,,!!
لمحتُ عينيه المغرورقتين , ويديه المتجمّدتين ,وثيابَه المتَّسخة , وشعرَه المشعَّث ,
فأشفقتُ عليه ,,,
وكرهتُ أُمَّه التي بالكادِ أَعرفُها .
/
وبالأمسِ القريب ,, قالت ابنتُه الشّابة عنه ,
أبي ,, يحبُّ العملَ كثيراً , ويحبُّ المالَ أكثرَ منِّي ومن إخوتي وأخواتي وأمّي,
نحنُ لا نراه في البيتِ تقريباً ,
نحنُ نحتاجه ,,
أُمِّي قد تعبت من تربيةِ الأولاد وحدها ,
نحنُ أولادَه, ولنا عليهِ حق,
ماذا لو عدلَ بين العملِ وبيننا ؟؟
لمحتُ في عينيها حنينِها لوجودِ الأبِ واهتمامِه ,
فأشفقت عليها ,
وحملتُ على أبيها الذي أعرفه !.
/
واليوم ,, تقولُ لي ابنتُها الصغيرة , وهي في السّادسة ,
ماما دائماً في الشُّغل ,, دائماً في الشُّغل ,, دائماً في الشُّغل ,,
أحبُّها كثيراً , وأشتاقُ لها , أين هي ؟, أنا لا أراها ,
ماما بالشّغل ,
فقلتُ لها ,,
سأسمعُ نفسَ شكواكِ هذه من ابنكِ يوماً يا صغيرتي ,
لو عشت !!.
*****
لا أرى الحفلات الجنونيَّة التي يقيمُها الإنسانُ أحياناً ,,, وفي كلِّ أرجاء الأرض !!,
ولا أرى ذلك اللبسِ الغريب الذي يرتديه , وتلك الألوان التي يطلي بها وجهَه ورجليه وذراعيه !,
ولا تلكَ الرَّقصات التي يُؤدّيها بجنونٍ أحمق !
ولا أرى العربدة اللامعقولة التي يقومُ بها !
إلا تعبيراً عن حُزنِه وكمدِه وأساهِ على فراقِ هذه الحياة !!!!!
فالإنسان ,,,
هو المخلوق الوحيد الذي يعلمُ نهايتَه , ويعلمُ أنَّ الموتَ بانتظاره , وباطنَ الأرضِ هو بيتُه الأخير ,
أو بيتُ جسدِه الأخير ,
وأتساءل ,,,
هل ما يُسمى (الدَّروشةُ) عندنا ,,, وهو الرَّقصُ بالرؤوسِ ذاتَ اليمينِ وذاتَ الشّمال !
والانحناءاتُ المتكرِّرة على و قعِ غناءٍ ليس فيه إلا كلمةٌ واحدةٌ هي,
الله ,,,الله ,,,الله , !!! ؟
وهل جلدُ الجسمَ بالجنازيرِ في عاشوراء , والدماءُ المتدفِّقة, واللطمُ الموجعُ على الصدورِ حتى تكادُ الضُّلوع تتحطمُ من وقعها !؟,
هو منها ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
نحنُ المسلمين ,, علينا أن نُصلّي , ونعبدَ الله العزيزِ القدير ,,
ولكن كالعقلاء ,,, وليسَ كالسُّكارى !
ونحن المسلمين ,, علينا أن نحزنَ على سيّدِنا الحُسين , ونتذكرهُ بإجلالٍ ومحبة,
فهو رمزُ الصَّبرِ والتضحية , وفخرُ الشهادةِ في سبيل الله ,
لكن ,, مثلَ حزنِ العقلاء ,
حزنٌ يليقُ به .
فالله أعظمُ وأجلُّ من أن يرانا نرقصُ في حضرتِه رقصةَ الدروشة ,
والحسينُ أكبرُ وأعقلُ من أن يرانا نرتكبُ مجازراً بأنفسنا يومَ الحزنَ عليهِ ,
هذا مرعب ,,,
وذاكَ مرعِب ,,
وأراه لا يختلفُ كثيراً عن رقصاتِ باقي الشعوب الهستيريَّة , في كلِّ بقاعِ الأرض .
أعبادةٌ هي ؟؟, أم حزنٌ على الحسين ؟؟ أم حزنٌ على أنفسنا التي ستغادرُ الحياة ؟؟
أنا,,, أتساءل ؟؟؟
ماسة