( ماسةٌ في طريق العشق )تلك هي اللحظة التي كان يهفو لها قلبه ، والمكان ..هو ذات المكان الذي كان يداعب أحلامه وهو يجمعهما معا أمام كل هؤلاء المدعوِّين من الأقارب والأهل والمعارف .. ، وهذا هو الفستان الأبيض نفسه المفرح المحلَّى بالألماس الذي ما فتئ يراقص خاطره ويرتديه طيفها المرح الرشيق في أمسيةٍ يعزُّ فيها اللقاء .. إنَّ امرأةً أخرى ما خلقت من أجله بعد .. والتاج الأبيض متربع فوق جبينها المتلألئ نورا وبهاء ... إنها أميرة كما عهدها دائما... إممممم .. كم هي جميلة !
لا يصدق عينيه .. فكلُّ ما تمنى تحقُّقَهُ يراه الليلة رأي عين .. الكل فرح مسرور تغرد السعادة في وجوههم بالعروس التي يبتهج المكان بها ، وتلتف العيون حولها مستمتعةً بمنظرها المريح .. تضيِّف الجميعَ بابتسامتها الحلوة الشهية ، وتشكرهم بلحظها الجذاب ... امرأة ماسيةٌ لا يزيدها الوقت ومروره إلا جمالا .. منذ أول يوم له بالشركة عندما كُلِّفت هي بإرشاده لبعض مواقع المشروعات ، وإطلاعه على الأوراق الخاصة ببعض الصفقات ، لم تبعث له ـ ولو للحظة ـ شعورَ أنها الأقدمُ والأكثرُ خبرة ً، ولم تلبس أمامه يوما رداء الرئيس مع مرؤوسه .. جادةٌ في غير تكبر ..حازمةٌ في غير سيطرة .. لا تكاد تتركه .. حتى أضحى العملُ معها تسليتَه ، والبعدُ عنها مشقتَه ، ولم يعد الشغل شغلا دون أن يأتنس المكان بحضورها .. ، وعندما نقلت للعمل بفرع الشركة بمدينة أخرى ما انفك جسدا بلا روح ، و استحالت أيامه جحيما ، واستحق أول ( لفت نظر ) في عمله ، وهو المهندس المشهود له بالنشاط والجد والكفاءة ، ومن ثم سابق الخطى ، فطالب بالانتقال للفرع الذي تعمل به مع بعده عن مكان سكنه .
واليوم يوم الوفاء ـ كما يسميه ـ اليوم الذي يلخَّص جميلَ الأوقات التي قضاها حبا وعشقا وإخلاصا لها ـ وكلها كذلك ـ غير باخل بقلبه الذي لم يرض أبدا أن يُشركَها فيه امرأةً أخرى... لأنها الآن تستحق وبجدارة امتلاكَ قلبه المسافر على طريق العشق ، والسيطرةَ على كل مشاعره الجامحة في مضماره .. كان ذلك كله في مدة قصيرة جدا .. هو نفسه لا يصدق أن هذا الكمَّ من الحب يمكن أن ينمو خلال شهرين ونصف فحسب ، ولكنْ يبدو أن الظروف والأجواء كانت مواتية لاكتمال حبه نضجا، وارتياحِه لشخصيتها المميزة .
( التورته ) الآن تدعو الجميع ليلتفوا حولها ، والكل يقترب لينال لقطةً مع ماسة الليلة..أما هو ، فيتقدم .. يحاول الاقتراب أكثر .. المكان يضيق بالحضور .. يتساءل : لمَ هذا ؟ .. لمْ أشعر أبدا بالزحام وهي معي .. لمَ الآن ؟ .. كم ذَلَّتْ لصحبتها مشقة العمل تحت سحائب الغبار في مواقع الهدم و البناء ، وكم غالب همسُها أصواتِ الآلات والمعدات الصاخبة ، فقد كان مجرد حضورها يحول القفار جنانا ، وكأنها شمس أستمد منها طاقتي وحياتي... لماذا تتسلل البرودة إلى قلبي الآن مع أن الجو بالقاعة ربيعي جميل ؟..ولماذا تقتحمني الغربة بين كل هذه الوجوه المألوفة ؟
وعلى العادة يقترب العروسان لتتلامس أيديهما لتقطيع ( التورته ) وتوزيعها .. يكافح الزحام .. يقترب أكثر .. ما زال يحاول الاقتراب أكثر .. ها قد وصل .. مدَّ يده .. سلَّم على العروسين .. تناول قطعةَ
( جاتوه ) .. واستأنف طريقه ليبحث عن مكان .
=================
تحيتي
محمد محمود شعبان
حمادة الشاعر