أسْرارٌ فِي السّمَاءِ
لوْحَةٌ سَرْمَدِيّة تِلْكَ الّتي رسَمَتْها الطّبيعة، فكانت نُقوشُها لَمَسَات سَاحِرة جَعَلَتني شَارِدا فِي مَتَاهَاتِ الأَحْزان،فتذكّرت الصِّبا الّذي وَلّى وَانْصَرَمَ ،والأَيّام الخَوَالي ،وأَمْعَنْتُ تَفكيري في أشياء كَان مآلها الْعَدَم ،فعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ الغُرَابِ فَأُوَارٍيَ تِلْكَ الأَفْكَارِ الّتِي بَاتَتْ تَقُضّ مَضْجَعِي ، فَكُنْتُ بَيْنَ رُعُودِ الأسئِلة الّتي تَعصِف بِذِهْني، وَبُروقِ الشُّجون الّتي تُومِض فَيَنْكَشِف الغِطاء عنّي ، فَلا السُّكون أَلْهَمَنِي حَقِيقَة الأَشْيَاءِ، وَلا السّلام أَضْحى بَلْسَما يداوي جِراحِي ،وَلا الغُيوم انقشعت ،ولاهي تكَاثَفت ،فاسْتحَالت غيْثا مُبهِجا فَيُنْبِتَ نَبَاتا مُخْتَلِفا أَلْوانُه .
اْرتَسَمَتْ أَسَارِيرُ بَهْجةِ الدُّنْيَا لَحْظَةً عَلى أَدِيم السّماء ،فَتَمَلّكَتْنِي الْحَيْرَة ُ،وأَخَذْت أُرَتِّقُ عَجْزِي عَنِ التّفْكِير السّليم إلى أن قُذِف فِي رَوْعِي قولُ الله تعالى :" الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" ، فَلا َ المَالُ غَدا مُنقِذا وَمُخَلِّصًا من قَدَر- بَعْدَمَا اخْتَلَط الحَق بالبَاطِل - وهو زينةُ الدّنيا ومَبْعَثُ مَلَذّاتِهَا ،وَلاَ العِلْمُ كان دُرَراً فِي دُجَى الأَيّام الخَوَالِي حين غَابَتِ الحَقِيقَةُ عَنْ أَقْوَام ، فأُهْلِك قَوْم بالطّاغِية ،وآخَرُ بِرِيح عَاتِيّة ،فَكَانَ عِلْم ُ البَشَر مذؤوما معيبا .ولا كَانَ فِي الأزَلِ عِلْم ٌ إلاّ من عِلْم العَلِي القَدِير، وَلَا السّمَاءُ جَادَتْ بِغَيْثِهاَ، بَعْدَمَا الغَيْثُ هَمَى سنين والناس في سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ،وَسَوَاسِية كَانَا و إبليس ثَالِثَهُمَا ،فأَغْوَاهُمَا ، وَفِي السّماء عَلَتْ مَرْتَبَتُهُمْ وَتَجَلّتْ،وبَيْنَ أَهْدَابِ كَوَاكِبَ وَنُجُوم مُلْتَهِبَة سَطَعَتْ شَمْسٌ الْحَقِيقَةِ ،وَبَيْنَ يَدي الله عَاثَ إبليسُ فَسَادا فَأَفَلَ شُعاَعُه .كُل تِلْكَ الآيات الكَوْنِيّة، كَانَتْ سُبُلا ،فَاهْتَدَى عَلَى أشعتها مَنْ وَسِعَه جَلَالُ الرّحمان مِمَّن آمنوا مِنْ ذَوِي الأَفْئِدَةِ، وَأُولِي الأَلْبَابِ،وهكذا غَدَا السّكون والسَّلام دَلاَلَةَ عُنْوَانِي ، وَتَلاَشَتْ الغُيوم عَنْ عَالَمِي ، بَعْدَما كَانت بِدَايَة بَوْحِي وأَنِينِي، وَسَبَبَ ضَعْفِي وَهَوَانِي .