لن أمتثل لوصايا أمي ..
فأنا لي حرية لا تعرف الحدود ، لي كيان سيكون له مع التمرد وقفات .. سأسير في شوارع المدينة بما يحلو لي ، ولتلك التي تنكبت صراط حبي الويل والثبور .
كان قد أنهى حمامه الساخن ، ليشعر بدفء مغاير عما اعتداه ، نظر من نافذته في الطابق العاشر المطل على مدينة لا تعرف غير القسوة لمن جاءها راغبا بنعمائها .. انتشى بتيار الهواء الذي زلزله .
رذاذ من المطر يسّاقط على رأسه الذي لا تزال رطوبة الحمام الساخن تعشش فيه ، انطلق متجردا من كثيف الثياب التي كانت تتراكم على جسده النحيف .. فقط قميص وسترة شفيفة .
رعود ثائرة تضج في المدينة .. وشمس أبت في يومها هذا إلا أن تخلد لراحة تستعيد بعدها على أهل المدينة تجلياتها .
قفزت أمامه صور لبلدته التي تنام طويلا وتصحو في آذار .. عبق الأتربة المبللة بماء السماء .. أمه المسكينة التي آوت إليها حزنها وأبناءها ومرارات الفقر ..
طعام الغداء الريفي الذي يشتاقه كما يشتاق سلوى ..
ليالي الشتاء في بلدة يعرف أهلها الطيبون معاني القداسة ..
يسير في الحي الشهير في حالة تقاسم فيها الحب والحنين روحه التي يكتشفها الآن ، ويعرف معها وللمرة الأولى للحياة لذة تدب في أوصاله لتنعشه وتدفئه ..
هذا الحي الذي جاءه باحثا عن المجد بعد أن أمضى في بلاد الغربة أعواما وسنينا عاد لموطنه وقد حصل على درجة علمية مرموقة في تخصص يفتح له آفاق التنقل للوصول لما يستحق .
لاحت له تلك الفتاة التي ارتبط بها لنصف عام ، لتبدو لها أتفه من أن يلتفت لذكرياته معها ..
سأركلها كما ركلت فقري وهواني .. سأبني مهد دفئي من جديد .. سأحصنه بكل الجدر التي لا ينفد برد العمر إليها .
رائحة الكباب التي تنبعث دعته لأن يلج المطعم الكبير .. يلتهم وجبته بسرعة وعجالة .. ضحكة ما .. إنها سلوى !!!
ابنة خاله الغضة مع صويحباتها ..
هو قدر إذن ..
ودع خوفك الرعديد ..
تقدم ..
وابثث الحب قصيدة آن لها أن يكتحل شوقها ..
أشعل سيجارته وكأنها المنقذ له .. نفثها بقوة تخفف من دفقات قلبه المجنون ..
غادر المطعم وواصل سيره في المدينة ..
وقد علته ابتسامة المنتصر .. التي أوحت لها بها ابتسامتها ..