قصة قصيرة
بقلم الكاتب القاص:
تيسير الغصين
مملكة الوحوش
.. أقبلُ يديكَ ورجليكَ سيدي .. صغاري تركتهم يتضورون جوعا .. القليل يا سيدي من الطعام يسد رمقهم .. لا أريد شيئا لنفسي، أولادي فقط .. هم ما أملك في هذه الدنيا ..
يرتعش جسدُها حين تشعر بقبضته تربتُ على كتفها .. تزداد ارتعاشا وهو يضغط بكفه، ويطيل الضغط عليها، يرتعد قلبُها وجوانحُها، عندما التقتْ عيناها بعينيه .. شعرتْ بخوفٍ شديد .. عيناه مخيفتان، ونظراته جمرتان تتقلبان فيزداد وهجهما .. لكن الصغار ينتظرون، لعلها تأتيهم بما يملأ بطونَهم الخاوية .. تتحاشى النظرَ إلى عينيه .. تتجاهلُ جوعهما الفيّاض بالشهوة البلهاء وهو يلتهمها في فجورٍ مُعلن ..
ترنح فوق أريكته .. غاص في ليونتها .. مد رجليه، وحدّق في سقف مكتبه، ثم أخذ نَفَسًا عميقا، وهو يرميها بنظراته الجوعى من جديد .. اقتربي اقتربي .. لديكِ أطفالٌ إذن يا صغيرتي !!
انحنت مسرعة نحو قدميه وتشبثت بحذائه .. راحت تلثمه، وقطراتٌ رطبة تتساقط نحو أنفها لتستقر فوق الحذاء تاركة بصماتها ..
- نعم سيدي لديَّ ثلاث رياحينَ تركتهم في مهب الريحِ ..
- ادني مني .. تعالي .. لا تخافي ربّت على كتفها .. أعجبه ليونة جسدها أبقى كفه لحظة، فلحظتين .. ارتجفت أوصالها ..
- لا تخافي يا جميلتي، ستطعمين أطفالكِ ما يشتهون، وستأكلين معهم حتى التخمة ..كل شيء مرهون بإشارةٍ منكِ ..
اتسعت عيناها .. علت الدهشة وجنتيها .. إشارة مني وأُطعِمُ أطفالي ما يشتهون !! أنا خادمتك يا سيدي، وانحنتْ على قدميه تقبلهما من جديد .. ربض شيءٌ ثقيلٌ، كحذاءٍ فوق رأسها .. تلمّست أصابعُه شَعرَها ..
- كنتُ واثقةً من كَرَمِك يا سيدي ورأفتك بأولادي ..
- الدنيا بخير يا حلوتي .. من يملك جمالاً مثل جمالك، لا ينبغي له أن يجوع أبداً .. زَحفتْ كفُه الثقيلةُ إلى خدها، تلمّسه بشراهةٍ وقحة.. قَبَضَه براحته كقطعة زُبدٍ طريّة، ومضي يتحسس جيدها .. تزلزل جسمها .. ارتعدتْ فرائسها .. تراجعت للخلف خطوتين فَزِعَة والدهشة تعقد لسانها.. همست بصوتٍ أجش:
- أنا في عمرِ ابنتك يا سيدي ..!!
تسمّر في مكانه بُرهَة .. اتسعتْ عيناه عن آخرهما .. خرج اللهب من الجمرتين يلسعُ جَسدها الرقيق .. تقدَمَ نحوها .. مدّ الإخطبوط أذرعه .. برزت الأنياب كنمر.. تحول الآدمي إلى وحش كاسر.. طَفَتْ النوايا المدفونة إلى السطح، وفاحتْ رائحةُ الشهوةِ في الأرجاءِ، وفي كل الزوايا ..
- سيدي إليك عني .. هذا حرام .. حرامٌ يا سيدي .. أنا مثل ابنتك ..
انتزعتها مخالبُه انتزاعاً .. جذبها الإخطبوط إليه .. التفّت ذراعاه حول خصرها اللَدِن، وألصق صدره بصدرها ..
ضاقتْ أنفاسها .. أحستْ بالاختناق .. حاولتْ أن تصرخ .. خرج صوتُها واهياً كأنه منبعث من بئرٍ غائر .. أرجوك سيدي لا تُلحق بيّ العار .. دعني أرجع لأطفالي بسلام ..
- أطيعي رغبتي ولن تندمي ..
خرج الفحيحُ من أعماقِهِ .. داس بثقله على كلِ تضاريسها ..
صَرَخَتْ من أعماقِها .. أتوسلُ إليكَ سيدي، دعني وشأني .. لستُ أريدُ منكَ شيئًا..
ضمها إليه أكثر ..
لمعت عيناها .. جمعتْ أنفاسَها، ثم انقضتْ عليه بأسنانها، غرستها في لحمه القاسي كجلد تمساح ..
نَدَت عنه صرخة .. تراخى الكفان الثقيلان ..
وجَدَت مُتسعًا من الإفلات .. فَرَّت نحو البابِ .. جَذَبَته بقوة، وقَبلَ أن تُطلق ساقيها للريح، طالعتْ صورةً معلقةً فوق أحد جدران مكتبه .. انتزعتها بقوة، وتلفتتْ نحوه.. رمته بنظرة مُسْتَحْقِرَة .. قذفتْ الصورة تحت قدميها، داستها بحذائها، وبصقت فوقها، وحين انطلقتْ خارجة، كانتْ كلابُ الحراسةِ تنبحُ في إثرها ..
.. أماه بطني تؤلمني ..
انتزعَتها كلماتُ طِفلها الواهنة من عالمِها انتزاعًا .. تلفتتْ حَولَها .. كلابُ الحراسةِ تركضُ خلفها.. رائِحته الكريهة تَزْكُمُ أنفها .. وثقلُ كَفه لا يزالُ يربضُ فوقَ كَتفها وأصابِعُه الفظّة تَعتصرُ كلَّ شيء ..
ضمتْ إليها أطفالَها قبَّلتهم .. امتزجتْ دُمُوعها بدموعِهِم .. وصوتُ الفحيح ما زال يترد في داخلها .. ادني مني .. كل شيءٍ مرهونٌ بإشارة منكِ
.. أماه بطني تؤلمني أريد طعامًا ..
يعاودُ الفحيحُ هَمْسَهُ في أعْمَاقِها .. من يملكُ جمالاً مثلك ِلا ينبغي له أن يجوعَ .. إيماءة منك وتملئين بطونهم الخاوية بكل ما يشتهون .. لا تترددي ..
يوشك رأسها أن ينفجر .. تدور عيناها، تستطلع الجدران من حولِها .. تقبضُ خِصْلَة من شَعْرِها ، وتدور تدور حول نفسها ...