أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: ثقب

  1. #1
    الصورة الرمزية دينا نبيل أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2011
    الدولة : مصر
    المشاركات : 117
    المواضيع : 19
    الردود : 117
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي ثقب

    ثقب

    على حافة السرير المعدني تجلس.
    الحجرة خاوية تماماً أو هكذا قيل لي منذ أن أُوكلت إليّ مهمة مراقبتها عبر ثقب في الحائط.
    أعلم أنكم لن تصدقوني، ولكن في الحقيقة تلك الحجرة بلا أبواب أو نوافذ، فقط هذا الحائط الجيري المقشور .. وثقب صغير يسمح لكلتا عيني أن تطل منهما.
    لم يخبرني أحد باسم تلك المرأة ولا عن سبب حبسها في الغرفة المجاورة لي. ولكن ما قيل لي هو أن أراقبها جيداً خشية أن تؤذي نفسها، وإن حاولت فيجب أن أخبر أحد أقاربها ليتدخلوا.. لا أدري أين أقاربها فعلياً!.. لكن كيف سيتدخلون والحجرة بلا منافذ؟
    لا يسمح لي الثقب إلا برؤية ركن واحد فقط من الغرفة .. أما بقية الأركان..
    فهي خارج إطا..
    ره..
    ولا أدري..
    عنها شيئاً..
    ...
    ..
    اليوم أراها ترتدي معطفاً أبيض.. وجهها ناصع. لابد أنّ لديها حوضاً لغسيل الوجه أو مكاناً لقضاء الحاجة في ركن لا أراه. ربما لديها خزانة للكتب.. فما من يوم يمر إلا وأرى في يدها كتاباً جديداً.
    لكن أكثر ما استغربه هو رائحة الغرفة.. إنها رائحة نظيفة بيضاء.. نعم للروائح أحياناً ألوان.
    فمنذ أن أخبروني أنّ الغرفة بلا منافذ تخيلت رائحة صفراء عطنة، من الممكن أن تتحول..
    إلى خض..
    راء..
    إذا تراكمت..
    بقايا الأكل..
    ...
    ..
    رائحة زرقاء نفّاذة أيقظتني اليوم.. منبعثة من ذلك الثقب. توجّهت نحوه مسرعة. وجدت المرأة هادئة بابتسامة مواربة تدوّن أشياء في أوراق .. أو ترسم.. كجزء من علاجها. لا أدري!
    إلى جانبها كوب من القهوة. لا أدري من يعدّ لها كل تلك الأكواب البيضاء المتراصة دائماً .. نعم.. قهوة برائحة بنية لا يمكن أن أخطئها رغم أنني منعت منها منذ وقت طويل. ولكن هل تعيش على القهوة فقط؟ .. لا أعلم ..
    فأنا لا أرى سوى الركن الذي تجلس فيه عندما تشرب كوبها.. فلنسميه ركن القهوة إذن!
    لا أعتقد أن تلك المرأة مجرمة ليتم حبسها.. أو مجنونة لأنها تبدو دوماً هادئة بلا هياج. هل يرتابها الهياج؟ .. لا أعرف. فأنا لا أراها إلا في المساء فقط لأن النوم يغلبني في الصباح.
    لا .. لست كسولة. لكن من طلبوا مني مراقبتها يعلمون حالتي.. وهذا عملي.
    حقيقة حاولت أن أتعاطف معها بسبب حبسها.. ولكن لم أستطع..
    فهي تبدو..
    مر..
    تاحة!..
    ...
    ..
    أين هي؟!!
    نظرت كعادتي عبر ثقبي المعهود، فلم أجدها.. أطلت النظر.. بحلقت حتى كادت مقلتيّ تتدحرجان على بلاط غرفتها.. بلا جدوى. انتظرتها الليل بأكمله.. فلم تأتِ!. لا يمكن أن تكون قد هربت، أي ورطة سأقع فيها!
    انطلقت نحو باب غرفتي مسرعة إلى الردهة أنادي المسؤول لأخبره بالأمر..
    "لا عليك .. ستحضر غيرها."
    غيرها! .. هل هناك نزلاء غيرها لأراقبهم؟ .. ماذا لو كانت النزيلة الجديدة مجنونة غير تلك.. ماذا لو كانت تخبئ في ملابسها أداة حادة تنتهز فرصة نومي لتحفر الثقب وتدخل متسحّبة لتقتلني!
    لابد أن أخبره بمخاوفي كلها..
    لابد أن لي الآن رائحة حمراء.. رائحة شواء لحمي وغليّ دمي الذي ارتفع إلى عينيّ بلا شك، ودفعني للصراخ بوجهه ولطمه على خدّيه والتعلق بثيابه..
    لكن سريعاً جاء رجلان ضخمان يقيدان ذراعيّ وراء ظهري .. يجرجراني ليدخلاني غرفتي ويربطاني في سريري..
    أقاومهما؟.. لا أعرف كيف أقاومهما وهما يفوقانني حجماً وعدداً!، تكالبا عليّ ليعيدا تركيب الخرطوم الثعباني الرفيع ذي شوكة السمك الطويلة في ذراعي.. وصوت المسؤول بهدوئه الفاتر يقول واثقاً.. "حقنة نيوريل"..
    ليرجع الخدر إلى أطرافي مجدداً.. وتغيم
    صورة الرجلين..
    صانعة رأس..
    رجلٍ بدينٍ جداً ..
    تتلاشى حدوده..
    ويختفي!..
    ....

    دينا نبيل

  2. #2
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : May 2015
    المشاركات : 54
    المواضيع : 14
    الردود : 54
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة دينا نبيل مشاهدة المشاركة
    ثقب

    على حافة السرير المعدني تجلس.
    الحجرة خاوية تماماً أو هكذا قيل لي منذ أن أُوكلت إليّ مهمة مراقبتها عبر ثقب في الحائط.
    أعلم أنكم لن تصدقوني، ولكن في الحقيقة تلك الحجرة بلا أبواب أو نوافذ، فقط هذا الحائط الجيري المقشور .. وثقب صغير يسمح لكلتا عيني أن تطل منهما.
    لم يخبرني أحد باسم تلك المرأة ولا عن سبب حبسها في الغرفة المجاورة لي. ولكن ما قيل لي هو أن أراقبها جيداً خشية أن تؤذي نفسها، وإن حاولت فيجب أن أخبر أحد أقاربها ليتدخلوا.. لا أدري أين أقاربها فعلياً!.. لكن كيف سيتدخلون والحجرة بلا منافذ؟
    لا يسمح لي الثقب إلا برؤية ركن واحد فقط من الغرفة .. أما بقية الأركان..
    فهي خارج إطا..
    ره..
    ولا أدري..
    عنها شيئاً..
    ...
    ..
    اليوم أراها ترتدي معطفاً أبيض.. وجهها ناصع. لابد أنّ لديها حوضاً لغسيل الوجه أو مكاناً لقضاء الحاجة في ركن لا أراه. ربما لديها خزانة للكتب.. فما من يوم يمر إلا وأرى في يدها كتاباً جديداً.
    لكن أكثر ما استغربه هو رائحة الغرفة.. إنها رائحة نظيفة بيضاء.. نعم للروائح أحياناً ألوان.
    فمنذ أن أخبروني أنّ الغرفة بلا منافذ تخيلت رائحة صفراء عطنة، من الممكن أن تتحول..
    إلى خض..
    راء..
    إذا تراكمت..
    بقايا الأكل..
    ...
    ..
    رائحة زرقاء نفّاذة أيقظتني اليوم.. منبعثة من ذلك الثقب. توجّهت نحوه مسرعة. وجدت المرأة هادئة بابتسامة مواربة تدوّن أشياء في أوراق .. أو ترسم.. كجزء من علاجها. لا أدري!
    إلى جانبها كوب من القهوة. لا أدري من يعدّ لها كل تلك الأكواب البيضاء المتراصة دائماً .. نعم.. قهوة برائحة بنية لا يمكن أن أخطئها رغم أنني منعت منها منذ وقت طويل. ولكن هل تعيش على القهوة فقط؟ .. لا أعلم ..
    فأنا لا أرى سوى الركن الذي تجلس فيه عندما تشرب كوبها.. فلنسميه ركن القهوة إذن!
    لا أعتقد أن تلك المرأة مجرمة ليتم حبسها.. أو مجنونة لأنها تبدو دوماً هادئة بلا هياج. هل يرتابها الهياج؟ .. لا أعرف. فأنا لا أراها إلا في المساء فقط لأن النوم يغلبني في الصباح.
    لا .. لست كسولة. لكن من طلبوا مني مراقبتها يعلمون حالتي.. وهذا عملي.
    حقيقة حاولت أن أتعاطف معها بسبب حبسها.. ولكن لم أستطع..
    فهي تبدو..
    مر..
    تاحة!..
    ...
    ..
    أين هي؟!!
    نظرت كعادتي عبر ثقبي المعهود، فلم أجدها.. أطلت النظر.. بحلقت حتى كادت مقلتيّ تتدحرجان على بلاط غرفتها.. بلا جدوى. انتظرتها الليل بأكمله.. فلم تأتِ!. لا يمكن أن تكون قد هربت، أي ورطة سأقع فيها!
    انطلقت نحو باب غرفتي مسرعة إلى الردهة أنادي المسؤول لأخبره بالأمر..
    "لا عليك .. ستحضر غيرها."
    غيرها! .. هل هناك نزلاء غيرها لأراقبهم؟ .. ماذا لو كانت النزيلة الجديدة مجنونة غير تلك.. ماذا لو كانت تخبئ في ملابسها أداة حادة تنتهز فرصة نومي لتحفر الثقب وتدخل متسحّبة لتقتلني!
    لابد أن أخبره بمخاوفي كلها..
    لابد أن لي الآن رائحة حمراء.. رائحة شواء لحمي وغليّ دمي الذي ارتفع إلى عينيّ بلا شك، ودفعني للصراخ بوجهه ولطمه على خدّيه والتعلق بثيابه..
    لكن سريعاً جاء رجلان ضخمان يقيدان ذراعيّ وراء ظهري .. يجرجراني ليدخلاني غرفتي ويربطاني في سريري..
    أقاومهما؟.. لا أعرف كيف أقاومهما وهما يفوقانني حجماً وعدداً!، تكالبا عليّ ليعيدا تركيب الخرطوم الثعباني الرفيع ذي شوكة السمك الطويلة في ذراعي.. وصوت المسؤول بهدوئه الفاتر يقول واثقاً.. "حقنة نيوريل"..
    ليرجع الخدر إلى أطرافي مجدداً.. وتغيم
    صورة الرجلين..
    صانعة رأس..
    رجلٍ بدينٍ جداً ..
    تتلاشى حدوده..
    ويختفي!..
    ....

    دينا نبيل
    أستئثار كبير في عوالم القص السهل والماتع والوصف الدقيق

    كانه طيف من أطيافنا ..أسعدتيني والله تحياتي

  3. #3
    مشرف قسم القصة
    مشرف قسم الشعر
    شاعر

    تاريخ التسجيل : May 2011
    المشاركات : 7,009
    المواضيع : 130
    الردود : 7009
    المعدل اليومي : 1.48

    افتراضي

    الأخت الأديبة دينا نبيل

    النص متميز بفكرته وأسلوبه .
    ويحمل إيحاءً لاذعا لمن يشغل نفسه بالتربص للآخرين .
    سررت بالمرور وأمتعتني القراءة..
    تساءلت :هل من ضرورة لتقطيع بعض الأسطر والكلمات؟
    تقديري أديبنا الفاضلة.
    وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن

  4. #4
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.70

    افتراضي

    لغة سردية بديعة بشاعرية التعبير وشائقية العرض المشهدي والتفاصيل المائزة

    وأثني على ما تفضل به الأستاذ عبد السلام دغمش في تعليقه، فالتوسيط في الكاتبة لا يخدم القصة، وتقطيع الكلام يشتت القارئ
    أعجبتني روائح الألوان ، وأجد فيها متكأ لعنوان أجمل للقصة

    هل يرتابها الهياج .. بل ينتابها

    دمت والروعة أديبتنا
    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  5. #5
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي

    أُوكلت إليّ مهمة مراقبتها عبر ثقب في الحائط.
    مهمّة شاقّة، وثقب أطلّ على عالم غريب يوحي بالواقعيّة تارة، وبالغرائبيّة أخرى!
    الثّقب هو النّافذة التي ننظر من خلالها للعالم مكرهين أو مختارين!
    سرد رائع بأسلوبه حتّى القفلة
    بوركت
    تقديري وتحيّتي

  6. #6

  7. #7
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,146
    المواضيع : 318
    الردود : 21146
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    بناء سردي مميز وأداء جميل حقق عنصر التشويق
    وجذب انتباه القارئ إلى كل حرف في القصة
    لنكتشف إن الراوية هى المريضة.
    نص مائز وخاتمة مباغتة في
    قصة معبرة ومؤثرة ومدهشة
    أبدعت ـ تحياتي وتقديري.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

المواضيع المتشابهه

  1. ثقب في الذاكرة..!
    بواسطة مها عبد العزيز في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 04-03-2018, 05:11 PM
  2. نظرات .. من ثقب ذاتي !
    بواسطة ياسر سالم في المنتدى بَرْقُ الخَاطِرِ وَبَوحُ الذَّاتِ
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 20-08-2017, 11:37 AM
  3. ثقب اٌلإبرة
    بواسطة هيثم اللحياني في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 15
    آخر مشاركة: 01-01-2007, 06:55 PM
  4. فجر العيد - مهداة إلى روح منفذ عملية ثقب القلب وقبله منفذي عملية المنطار
    بواسطة فارس عودة في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 24-01-2005, 11:39 PM