استلقى صديقي على الأريكة كأنما يرتاح من تعب مضن .. وانطلق يصف لي فتاة التقاها ذات يوم صدفة
اسمها " سارة" ..امرأة غامضة لا يعرف أحد عنها شيئا شقراء ممشوقة القوام ، أقرب الى النحول ، في العقد الثالث من عمرها لم تكن جميلة جدا غير أن شيئا ما في فمها : في شفتها العليا تحديدا يشعّ جاذبية و يقطر إغراء وسحرا، يجعلك مشدودا إليها فيتشرّبها فؤادك من النظرة الاولى .. بحضورها ترى الحياة أجمل..."
كان يحدّثني عنها في نبرة تحسّ فيها الصدق و الإنجذاب معا حتى استطاع أن يثير في نفسي نوعا من الإهتمام بها و إن اخفيت ذلك عنه
أخذ نفسا طويلا من سيجارته الكوبية ثم استرسل مواصلا في وصفه لها " كانت جذابة جدا من ذلك النوع من النساء الذي يثيرك بشيء من الكبرياء و الإعتداد بالنفس،إلى جانب كثير من الرّقة و اللطف في معاملة الاخرين.. فيكون قريبا منك ، و بعيدا عنك في نفس الوقت . يترك بينك و بينه ، مسافة قابلة لأن تكون أبوابا أو أسوارا"
تطلّع إليّ مليا و قبل أن أهم ّ بإبداء رأيي في وصفه واصل بحرقة من يفقد عزيزا "عندما تخاطبك ، عندما تسمع صوتها ، تدرك لأوّل مرّة ما لبعض الأصوات الأنثوية من قوة إغراء و تحريض. في لهجتها لثغة شرقية تحيل تاء التأنيث همزة تنتهي كشهقة إعجاب، تود معها لو منحتك فرصة الإستماع إليها أطول وقت ممكن. أما حين تضحك ، فإن ذلك الغموض الجذّاب في شفتها العليا يستحيل آسرا محرضا. غير أنها نادرا ما تضحك .ترتدي ثوبا بسيطا أسود يوشيه بعض بياض يغدو فيه قوامها الأشقر شراعا في بحيرة هادئة.."
هكذا كان أحمد يحدثني عنها في وجد حميم... كان في الخامسة و الثلاثين من العمر ، تلك المرحلة الخصبة في حياة البشر و التي تكون تجاربنا فيها قد قاربت النضج و مازالت أمامنا فسحة كافية لتحقيق الطموحات
عرفت أن صديقي بات مغرما بإمرأة ليست ككل النساء إذ لم يتوقف عن الحديث عنها وفي نفسه لواعج كثيرة و حرائق ملتهبة و إثر تلميح مني يوما إلى ذلك في احدى جلساتنا الليلية قال:
"كل إمرأة رائعة ترينا شيئا نبصره بأعيننا، و شيئا آخر ندركه بنبضات قلوبنا ، سريعا نكون معها في حالة اشتباك ، بين الاقدام و الإحجام... فتعترينا مشاعر متداخلة ... هكذا انا و هذه المراة منذ ان رأيتها صرت مشدودا اليها ، أحاول بلباقة و باستمرار أن أمدّ جسوري اليها، و لكنها تأبى ذلك بذكاء يزيد تعلّقي بها ..."
تابع أحمد حديثه عنها و أنا اصغي إليه بإهتام وفضول
"لقد أقمت علاقات كثيرة مع فتيات من مختلف الاجناس،ولي في كلّ مدينة زرتها عشيقة أو صديقة ، و لكن هذه كانت نوعا مختلفا على ما يبدو . ما تشرّب فؤادي أنثى غيرها بهذا القدر من الإعجاب و العنفوان .. حتى لكأنّ تمنعها و عدم استجابتها لي ، و جموحها المفرط، أصبحت كلّها دوافع اضافية ، تدفعني إلى شدّة التعلّق بها... أحيانا أقرر بيني و بين نفسي قطع علاقتي بها ، فأحاول تجاهلها و عدم الإهتمام بها
و لكنها لا تدع لي مواصلةهذا الطريق أيضا بأساليب لم أجدها عند غيرها ..كانت تعيدني دائما الى نقطة الصفر في علاقتي بها، الى حد أني لم أعد أعرف،هل أنا المتيم بها حدّ الهوس حتى استحالت لي مرضا ؟ أمْ هي امرأة لها من عمق الحيلة و الدهاء و الكيد ما جعلني متعلقا بشباكها لا أستطيع منها انفلاتا..لقد حيّرتني هذه المرأة ، إن لها نوعا من الرقة و اللطف يشوبهما شيء من كبرياء حزين يجعلني غير قادر على القسوة عليها، ومع ذلك ينشأ لدي نوع من التحدي و العناد و تشتدّ رغبتي في امتلاكها....يقولون إن سائسي الخيول و مدربيها ، يجدون لذّة أكثر في ترويض الأفراس الأشدّ جموحا و الأكثر عنادا ، لأن هذا النوع حينما يتم امتلاكه و السيطرة على وحشيته يكون من أفضل الأفراس عدوا و انجابا إلا انه يبدو أن فرسي عصية على الترويض، وأنالا اريد أن أكون قاسيا معها فألهب كفلها بالسياط..."
قال ذلك ثمّ تطلّع الي باسما و اضاف في شيء من الخبث المحبب " هذه ياسيدي مهرة أصيلة، لم يألف ظهرها مسّ السرج و لا خاصرتها طعن الركاب .."
أعجبني تعليقه الاخير على مهرته و لكني لم أعلّق بشيء بل زدت اقتناعا بكون " احمد" عاشقا فعلا متعلقا ب"سارة" الى حدّ بعيد ..