حَلُمْتُ أن يتلوّنَ إسمي إلى لونٍ مختلِفٍ، يُشارُ إليهِ بالبنان، يَبْعثُ الأسئلة في خواطرِ العابرينَ والحاضرين، من هذا وكيفَ ارتقى إلى هذا المكان؟!!
حلمتُ أن أمتطي صهوة حصان، مختلف مزركشٍ، إذا مرّ بالأروقة أحياها لونُه قبل لفظُه، أمّا لفظُه فوقتَها يغدُو لهُ نفاذ في القلوب وسهام ..
حلمتُ بالنّياشين ومشية الأمراءِ والمستعلين، نفسي حدّثتني أن أغيّرَ مظهري، أن أدخلَ مدخلاً مختلِفاً، حدّثتني أن أستعليَ مستخفياً بتلك الحجّة كما هم غيري، أن أرى أولئك الحاضرين بأسمائهم ومكاناتهم وأبعادهم المختلفة من عَلٍ .. أراهم من فوق السّحاب، أدخُلُ محلّاتِهم فيتلقّاني غلمانُهم بالترحيب والتبجيل والتوقير، فوق الترحيب العادي، والتبجيل الهادي..
حلمتُ أن أتطاولَ ولو إسماً ومنصباً، على بعض الذين في قلبي عليهم شيءٌ، رغمَ قلّتهم، ويُصبِحُ قراري ربّما فوق قرارهم أو يعدِلُ قرارهم، حلمتُ أن أمارِسَ بعض مهنة العدلِ في جبرِ بعض الخواطر، ورسمِ بعض البسمات، حلمتُ وحدّثتني نفسي، والنّفس خدّاعةٌ لئيمة، لا تدخُلُ عليكَ من بابِ المسمياتِ المُنْكَرة، والعناوين المُنَفِّرة، بل تدخُلُ عليكَ بمبرّراتِ النّبل والوفاء والمسؤولية والقيم ..الخ، من تلك القائمة التي لا تنفد ولا تفنى، فللنّفس فيها صولاتٌ وجولاتٌ، ولا يؤودُها ولا يغلبُها إقناعُ أصحابِها وخداعهم بمبرّراتها ومسوّغاتها.
حلمتُ وحرّكتُ خاطري وإرادتي، ثمّ التفَتُ إلى نفسي وحالي .. فلمْ أجدْ ما تغيّر عندي كثيرٌ كي تبني نفسي عليه تلك المبرّرات وتمرّرَ دعواها لريادة ذلك الحلم، فسألتُ الله أن يصرِفَ عنّي ما تحرّك خاطري له وما سعتْ له إرادتي وسبقتْ عليّ في الجرأة والطلب، ومع ذلك بقيَ في النّفس حديثٌ ورغبةٌ في تحقيق تلك الأماني النّفسية اللّئيمة. ولكنْ يبدو أنّ الله تعالى صرفَها عنّي بمنّه وكرمه .. حتّى لو بقيَ منها خاطر وإرادة، فما في القلبِ وفي الظرف عندي، ما يحقّق المطلوبَ من ظاهر شروطها وسعيها، لكي ألتذّ أخيراً، أقصِدُ لكي تلتذّ أخيراً نفسي بتلك الريادة، وأتبهرجَ في ثيابٍ مرموقة وأمشي الخيلاء، وأتنفّسَ، أقصِدُ وتتنفّسَ نفسي الصّعداء ...
ولا استغراب، فأحياناً يتوافق المرءُ ونفسُه، فهما واحد، وأحياناً يختلِفان فهما إثنان وشخصان، ومن النّفسِ هلَكَ من هلَك، ومن النّفس تفاوتَ الرّجال، وتفاوتَ الأشخاص ..