قال لي : ما زال في الأفقِ ليلٌ ، ورمزُ انتماءٍ ، يسحقُ الخفافيشَ ، يمهّدُ الدربَ للعابرينَ ، يشقُّ ضياءَهُ بين الغمامِ ، وأسلاكِ البشرِ ، وضَوْضاءِ العاديات ، قلتُ : وإذًا سَيحيا الرَّبيعُ والمرابعُ وتموتُ الحُفَرُ ، قال لي : أنا ما قلتُ
إلا بقايا الضَّمير ، ووازع الحياةِ ، وأنا ما عشتُ حتى حملتُ بشاراتِ الشَّجر ، وأنّي محبٌّ لأهلي لكلّ العشير ، قلت : من أسفارنا الخاليات ، أو من وجع القَطا والليل ِ والحياةِ ودمعاتنا ، سنصوغ قلادة الحبِّ ، نطرِّزُ بها معصم التَّأريخِ ، نتيه بها على الرَّوابي الحالمات ، مع الأقاحي وثورة القلوب الحانيات ، وإذًا : سنقتفي ونستقي ينابيع الصَّفو والبهاء والهناءِ رغم أنف العنا ، قال لي : خطى الوجد والوجدان تناديني ، وكم تعبَ الصَّدى ، وبكى الهَزارُ أطرافَ الفكر والنَّهار ولا مسار ، قلتُ : من أسفارنا غداة سِرنا ، وسارت بنا حمائم الحكاياتِ ، وورود عهدٍ باسمات ، رأينا هناك أفقًا مجيدًا وعيدًا ، تتدلَّى حياله أنغام ليلى وسُعدى ، وإذًا سيفقه المحبَّون - وإن طال النَّوى - عيون المعاني ولطف التداني ، قال لي : أواه ماضينا ، أواه قلبي ، أواه يا طلعة البدر الوضيء ، يا من كنت تبكي على فمي ، وعلى فمي كنت تبكي ! ، كنت لا تلوى على الكلام ، لا ولا على البوح بأدنى وصلٍ أو نظام ، أواه كم أقلقتني ، فسكبتُ عمري في سواقي الظلام قبَلَ الزُّحام ، قلتُ : ذي أسفارنا ، وغيث فؤادِ المعجبين ، وذي أوطارُنا وبحارنا وبحورنا ، ومسك ختام السفن ، توحي بأنَّا على الدرب كنا وسنبقى ، وحتى تدقَّ ساعةُ البِشْرِ والخلود ! .