العلاج
كانَ طفلاً بالمهدِ يستدفئ منَ الحنانِ ،وكانتْ لحظةَ ضمّهِ لصدرِها كمُتعةِ إنسانٍ على بساطِ الريحِ ،
ولما شبّ ودّعَ أُماً مكسورةً عواطِفُها وقدْ استجمعتْ وقارَها مُخْفِيةً الحزنَ الذي رُسمَ على ملامحِ وجههِا الحزنانِ وغابَ عنهَا عامٌ كلُّهُ معانياً الشقاءَ عندما سافرَ هوَ وكُتبُهُ ،
وهيهاتَ هيهاتَ منهما الصّبرَ على الفراقِ ، تنهمرُ منها الدموعُ مدراراً كلّما نظرَتْ إلى صُورهِ التيْ تُزينُ بهنَّ جُدرانَ الدارِ ،
ثُمّ توالتِ الأحداثُ وطالَت سِنينُ البعادِ وَ مَرّت عليهَا الباقياتُ من عُمرِهَا تكوي قَلبَها بالفراقِ صباحاً ومساءً ،ويكادُ يُذِيبهُ وَهْجُ الحنينُ .
ألمْ تكُ تعنيْ نظراتُها لهُ دائماً إياكَ إياكَ و الهجرانْ !
فها هوَ قدْ جاءَ الفراقُ عينُه الذيْ طالـمـا حزّرتهُ منهُ، بينما كانت تعلنُ له وهي تعتصرُ الألمَ بِجوانحِهَا انتبهْ لمستقبلكَ ولا تقلقْ تَسلمُ ،
بيدَ أَنّهُ يعلمُ أَنّها تُكابدُ جراحَها لكيْ لا تُسبّبَ عائقاً في وجهِ مُستقبلهِ منْ وجهةِ نظرِهَا المـُتَطلّعَة لمستقبلٍ باهرٍ لولدِهَا العزيزِ .
فيَا لَها منْ أمٍ رؤومٍ و يا لقلوبِ جميعِ الأمهاتِ . فكمْ أكّدتْ وكرّرتْ ضرورةَ الوفاءِ و أماناتِهِ .
أَجلْ !ذلكَ الغلامُ صارَ طبيباً مهذباً خلوقاً وحاشا للهِ أَنْ يكونَ عاقّاً بَل تشغلهُ شؤونُ معيشتهُ وعملهُ ،
وَما لبِثَ أَنْ جاءَ الحُزنُ الولدُ يأسفُ لفقدانِ شيئينِ :
(تَقصيرهُ فيْ برّ أُمهِ الأرملةِ بالقيامِ علىْ رعايتِهَا منْ جهةٍ و تقصِيرهُ في عملهِ الذي تقطّعَتْ به أسبابُ رزقهِ من الجهةِ الثانيةِ)
وكانَ كذيْ خطبينِ ، خطبٍ برزقهِ وخطبٍ بأمه ِ التي انفطر كبِدهَا من مرِّ الفُراقْ... فَشُلَّ وفَشِلَ الأطباءُ في معرفةِ العلاجِ !