ظلام
ظلام دامس هذا الذي دخله الولد , بعدما تكالب عليه الجميع , وزاد الوضع تفاقما ادخاله عالم الجن من طرف تصرّف ظالم وأحمق من زهرة زوجة أخيه نذير . لاحظ وجود سحلية تقابله على النافذة , تظهر في الليل وتبقى ثابتة لا تتحرّك حتىّ الفجر , عرف فيما بعد أنّها الجنيّة التي تكفّلت بمراقبته ونقل أخباره , ودخلت البلدة من جديد في حرب طائفية , جاءت شديدة هذه المرّة لم يسبق لها مثيل , استهدفوا بها كل الوطن حيث أرادو ادخاله الربيع العربي عنوة . كعادته ورد يمرض في الحروب وأيام الفتن , هذه المرة كان مريضا أصلا فزادت حالته سوءا , وتكثّف الظلام حوله . الذي يعيش هذه الفترة حالكة السواد سيعتقد أنّ فجرها لن يطلع أبدا , وأنّه يستحيل سيأتي يوم وتعود البلاد إلى حالها , ويعود الناس إلى العيش في سلام . سمير اعتنى بورد عناية خاصّة , ينهض في الصّباح باكرا يجلب له فطورا جيّدا , وفي الليل يُعد له الشواء في فناء الدار . ثم ما لبث أن فكّر الإخوة الكبار من جديد في شأن ورد وحالته , وقرّروا نقله إلى العيش في بيت أخته سعاد المطلّقة التي تعيش مع ابنيها وابنتها الصغيرة في منطقة بعيدة مهجورة في أطراف البلدة اسمها ( الشعبة السوداء ) , سميت هكذا لسواد حجارة الجبال المحيطة بها . لم يعرف سبب نقله , وقد رغّبوا الأخت سعاد بمنحها مبلغا ماليا كل شهر لمصاريف أكله . عند انتقاله معهم في سيارة نذير المشؤومة شعر بحالة استنفار قصوى من الجن . الجنية المسخّرة من طرف زهرة زوجة نذير , زعيمة على جيش من الجن الصغار , أحس بهم ورآهم كالذباب أو كحشرات صغيرة الكترونية , هكذا شبّههم , ينتقلون بسرعة بين أذنيه ويطيرون عبر نافذة السيارة بجانبه , ويسمع كلام زهرة معهم . حتى وصل إلى الدار , دخل ونام مباشرة على فراشه الجديد , وبدأ مرحلة أشد من كل سابقاتها في العيش في ظلام .
لا ينهض من فراشه الّا إلى الحمّام , وبدأت سطوة الجن ومعركتهم . يحرّكون أواني المطبخ , يشعلون جهاز الراديو حين ينامون , ويتحرّكون حوله كالحشرات , ويسمع كلام زهرة ونذير , وإشاراتهما إلى الجنية . لاحظ أنّ أخته سعاد حين تخرج من الغرفة التي ينام فيها إلى المطبخ , تدخل من جديد , في سرعة كبيرة , وتقف أمامه طويلا . وعندما تنام سعاد , تدخل عليه بكأس الماء تضعه بجانبه . تكرّرت هذه الحركات والمشاهد الغريبة , إلى أن وصلت إلى ذروتها حين ذهبت سعاد إلى عملها صباحا . جاءته الجنية في شكل أخته سعاد , سمع حركة أواني في المطبخ , ثم دخلت عليه بصينية عليها فطور , وضعتها على الطاولة , وجلست قربه في الفراش تحاول اطعامه . بدأ الجن يتشكّلون أمامه بشخصيات أناس يعرفهم , وبدأ يسمع الجنية , أنّها معجبة بشكله وبصوته , وفهم أنّها تحاول خطفه وادخاله عالمها . صار لا ينام , يبيت ساهرا في الظلام , لا يعرف الأوقات , يغمض عينيه ولا يفتحها مخافة أن يؤذيه الجن , ودخل حالة صعبة جدا لم يكن يتخيّل أبدا أنّه سيخرج منها . بدأ الإبن الأكبر لأخته سعاد ( سيف ) , يتذمّر من وجود ورد في بيتهم , ونسي أنّه قبل فترة قليلة عاش مع كل أسرته في بيت ورد يخنقونه حتّى لا يكاد يقدر أن يُكلّم أمه أو تُكلّمه . جاء سمير ذات ليلة إلى ورد وهو ممدّدا على فراشه , وهمس له أن يجب أن تغادر وتعود إلى الدّار , ربما تكون قد أثقلت عليهم وسأعتني بك . رجع معه في تلك الليلة والمكان بعيد وناء , وعند الوصول أمام الدار أعاد سيف الأحمق المغرور سوء أدبه مع خاله سمير , أمسكه من قميصه محاولا ضربه . عاد ورد إلى فراشه ومكانه الذي مكث فيه صامتا لا يتحرّك , سنوات عديدة , في ظلام .