المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. سمير العمري
بارك الله بك أيها الأديب الحبيب محمد وأشكرك على ما بذلت من جهد في تناول القصيدة لأيام عدة وأجد في هذا تقديرا وتكريما لها وتعبيرا عن الاحترام والاهتمام بشعري ، وما جاء به الحبيب محمد هو من باب التعبير عن التقدير وما تناوله نابع من أنه يرى في شعري تفوقا ويتوقع منه الكمال التام وهو بهذا يستحق مني الشكر والتقدير والتفهم لما طرحه من رأي.
ورغم أن فهمه لبيت النصح لم يكن دقيقا فأنا أشكره على النصح وأرجو أن يتسع صدره لنصحي له ولشرحي كما يلي:
1- النقد علم كامل يعتمد الدراية بالأساليب والتراكيب والإلمام بعلوم المعاني والبديع والقدرة على الإحاطة بمراد النص ظاهره وباطنه وربط ذلك كله في سياق الحالة النفسية والشعورية والفكرية، وهو بهذا أمر يختلف عن القراءات الانطباعية والآراء الشخصية كما ورد هنا ، والتناول النقدي يعتمد تلك القواعد ولا يعتمد أسلوب "تصحيح الكراريس" والحديث عن طلب حذف هذا البيت وذاك وتغيير هذه الكلمات وتلك؛ وأذكر في هذا السياق بما جاء في كتاب الله من رأي الكفار به إذ قالوا "وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَا" فهم رأوا في آيات الله وبسبب عدم قدرتهم على الإحاطة به كلاما يمكنهم أن يقولوا مثله أو خيرا منه وكان رد الله تعالى عليهم "فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ". وإن الأصل في التناول أن يتفكر الناقد في سبب توظيف الشاعر لمفردة ما أو استخدامه تركيبا ما ليصل إلى عمق المعاني خصوصا حين يكون النص لشاعر يكاد يجمع الناس على تفوقه وليس الاعتراض على المفردات والمعاني بمزاجية ذاتية أو قراءة خارج السياق.
2- تتفاوت الأذواق أيها الحبيب فما لا يروق لك يروق لغيرك وما لا تحيط أنت به يحيط به غيرك ، هناك من يؤثر البصل على العسل ، وهناك من يؤثر القثاء على الطلح النضيد وهذه هي طبائع الأشياء. أما أن نزعم بأن البيت عسير القراءة أو أنه يشبه هذا البيت أو ذاك ليس إلا لأننا لم نحبه أو لم نتذوقه فهذا ليس من النقد ولا من العدل. ويبقى للمرء الحق في تقبل أو رفض أي أمر وأي قول لا يوافقه والأصل أن يجتهد المرء في استقصاء المعاني والأسباب قبل أن يصدر حكما.
3- أنا لا أدافع عن شعري أيها الحبيب وإنما الشعر هو الذي يدافع عني ، وإن القصيدة التي لا تحفظني لا أحفظها. ولك ولغيرك أن يقول ما يشاء في شعري لا غضاضة وسأترك دوما للنقاد المدركين والأدباء الحقيقيين دور شرح وفهم نصوصي. ولعلني هنا أشير فقط إلى طلبك حذف بعض أبيات وهو أمر عجيب وغريب خصوصا وأن من بينها بيت القصيد بما يدل على أنك انشغلت عن المعنى والسياق في قراءة النص من الجانب البنائي بل في جزئية واحدة منها وهو "التقسيم" الذي عتبت علي حين تركته وعتبت حين أتيته في تناقض رسم الابتسامة على وجهي، واعلم أيها الحبيب بأن شعري لا يقوم بناؤه على التقسيم فحسب. ثم تزعم أنني كنت مضطرا وأنني كنت غير قادر وما شابه وهذا لو علمت قول غير حصيف ولا منصف، ولو كنت "طويلبي" كما تقول لأدركت هذا كله ولما مارست معي دور الأستاذ تفترض ما تشاء وتقطع بما تشاء وتتجاهل ما كتب عن شعري خصوصا في أمر التوزان البنائي وأن هناك رسالات أكاديمية وأدبية في هذا الشأن.
4-لم تكن على حق في كل ما قلت ورأيت من انتقاد ولكن هذا حقك ولا نصادره عليك ، والذي كنت على حق فيه هو بيت المحاور الموضوعي ، ولكن اعلم أيها الحبيب بأنني من تعمد هذه البساطة والمباشرة لأنني أردت به الالتفات من المبنى إلى المعنى وأن يكون يسير الحفظ والفهم فالقصيدة أساسا قصيدة فكرية تشخص الداء وتصف الدواء وتبشر بالشفاء ، وأردت هذا البيت أن يكون من المنبهات الفكرية في خضم المخدرات الشعرية في النص. وأعتقد أن هذا تحقق معك على الأقل فقد كررته أكثر من مرة ووظفت معناه أكثر من مرة وبشكل رائع.
5- شرحت ما يتعلق ببيت المعجزات وألخص بأن الأمر الشرعي يتعلق بإنكار هذه المعجزات أو بقدرة الله فيها أما ما يتعلق بالبشر فهو متعلق بهم وليس فيه محظور شرعي ، والمعجزات كما شرحت أمر يتعلق بالبشر أما عند الله تعالى فلا معجزات وإنما آيات ، والكفر بالآيات هو من باب الإعياء لها وهذا كما قلت كفر وجحود وقهر لله لهم ولكفرهم ، وناقة الله كانت معجزة من الله فلم يعيها ثمود فحسب بل قد عقروها وما ذاك إلا فتنة الله لهم ومثله فتنة تكذيب معجزات موسى وعيسى وإبراهيم ونوح وغيرهم.
وأما بيت قاء شيخ الملوك ففيه صورة شعرية يكرا وعميقة فالقيء هو أمر غير طيب نتج عن إرجاع طعام طيب غير مهضوم ويمكن لمن شاء أن يعرف وأن ينصف أن يسهب في شرح هذه الصورة ومدى دقتها في وصف الصورة الحقيقية للمعنى وللحالة. أما أن هذا لا يجوز فهذا أيضا مما هو رد لأن الوصف هنا غير متعلق بذات الفقه وإنما هو متعلق بفعل بشري من شخص غير صادق يسترجع كلاما غير مفهوم وعلما غير مهضوم ، بل وحتى لو رأيت أنه متعلق به فإن الفقه ذاته هو أمر بشري إذ إنه يعني مقدار فهم البشر للشرع والفقه غير معصوم.
6- أكرر شكري وتقديري لما بذلت من جهد وأقدره لك ، وإن كان من عتب فلأمرين؛ أما الأول فهو لاتهامك الجميع جورا بالنفاق بشكل يظهرهم بالجبن ويظهرك بدور البطولة وبشكل يرهب الآخرين كي يوافقوك الرأي وفي هذا مصادرة لحق تمنحه لنفسك وترفضه لغيرك. وأما الثاني فهو غضبك الشديد من كل من يعارضك الرأي والقول وأنك تعتبر هذا إساءة وتجاوزا.
هذا رد عام على كل ما تفضلت به ، ولعلك ستعود للرد كالعادة
ولكننا لا نحب المراء ولن يكون منا رد غير هذا ، وثق أخي الحبيب بأنني أهون علي أن أمسح شعري كله على أن أكتب حرفا أندم عليه يوم القيامة.
دام دفعك!
ودمت بخير وعافية!
تقديري