ينحدر الماء الزّلال من أعلى جفون الجبل الشّامخ من مدامع الثلج النّاصع فتتبلّل أهدابه الطّويلة, المخضرّة بدم الطّبيعة الحسناء, فرحا بقدوم الرّبيع و ترسم لذاك ألوانا جميلةً عزباءَ و متزاوجة أقيمت لها أعراس أَنشدت فيها أجملُ العصافير أرٌقَّ و أعذب إنشاد, و تضربُ دفوفَ الأوراقِ نسائمُ الرّياحِ اللّطيفة لتنبعث أحلى النّغمات و الإيحاءات من أوتار الطّبيعة الصّافية العذراء, و تقيم أفراحَ المواليد الجدد, ألوانٌ باهية بريحٍ عبقٍ عطرٍ و ملمسٍ في أشدّ نعومتهِ تُغري كلّ أشكال الفراشات المبهرة قترتمي عليها في نشوة العقل و الجوارح كالتّيجان على رؤوس الملوك و الأميرات, فتزداد إشراقا بعد إفتان و بهاء مثل مرجان, و تداعبها رياح الرّبيع, رفيقته في كلّ مكان, و تنيرُ شمسُ الظّهيرة الزّخرفةَ و تُظهِر الجميع بمظهر البهاء و السّطوع في أحلى حلّة و أجمل قمصان, و يجري النّهر بألطف الجريان لِتَطَّلِعَ الأسماكُ الفضّيّةُ و الذّهبيّة و ذاتُ ألوان في قبسٍ من الأوان على هذا المنظر الرّائع و تُحَيِّي الجميعَ في كلّ مكان. يلج العروسان الطّبيعة بهذا المكان و رضيعُهما بين يديهما, مثل الصّبيان يلهوان بعنفوان و هو يرضع الثّديان و النّدى يتساقط بلون المرجان فيستلقيان على فرش الرّيحان, و يقطفان من زهر الأقحوان, و من ثمر الرّمّان فيتذوّقان و يستنشقان, و النّعومة يلمسان ثمّ ينامان, فيحلمان أجمل حلم ليوقظهما أوّل الغلمان, فيغيبُ بين الحقيقةِ و الحُلمِ البيان, فهما بينهما مستولهان في أيّ الوجهتين يستقرّان, و أين الحقيقةُ من الحلمِ إذ يتساءلان.