التقدم العدد 16 \ 20 ديسمبر 1978 *
من تاريخ مصر
الاقتراح الكولومبي
في عام 1947 كان النقراشي باشا في أمريكا يعرض قضية الصراع المصري الانجليزي على مجلس الأمن، وتقدم مندوب كولومبيا باقتراح ينص على أن يدعو المجلس كلا من مصر وبريطانيا إلى بدء المفاوضات للبحث في مسألة الجلاء عن الأراضي المصرية المحتلة.
ورفض النقراشي باشا الاقتراح الكولومبي.. فحدثت أزمة دبلوماسية أثارت سخرية الكثيرين، فقد أعرب المندوب الكولومبي عن دهشته رسميا قائلا انه إنما أقحم نفسه في الموضوع وتقدم باقتراحه بناء على طلب رسمي من وفد مصر.
فكيف كان ذلك؟
لقد ذهب النقراشي إلى أمريكا معزولا من شعب مصر. مغضوبا عليه من الغالبية العظمى من أبنائه متهما بالتفريط في حقوق الوطن.
وقد كان بالفعل مفرطا.. وربما أكثر من مفرط.
وحاول النقراشي أن يستمر في استسلامه وتفريطه بتصريحات متشددة، وخطاب بالغ العنف ألقاه أمام المجلس هاجم فيه الانجليز هجوما عنيفا.
وتكسب هذه التصريحات شعبية لصاحبها، ولأول مرة يجد النقراشي نفسه وهو محل احترام البعض، فانساق في التصريحات، مؤكدا انه لا مفاوضة الا بعد الجلاء ومحددا شروطا قاسية لأي مفاوضة مع الانجليز.
ويزداد التأييد للتصريحات، تأييد من ذلك النوع المصري الطراز الذي يعني استخدام التصريحات والمواقف كقيد ملزم لأصحابه، ولعل المصريين كانوا يعملون أن شخصا كالنقراشي لا ينوي بالفعل التمسك بهذه التصريحات، لكنهم تمسكوا هم بها وحاولوا أن يلزموه بها.
ووجد النقراشي نفسه محاصرا..بين تصريحاته التي ألقى بها للاستهلاك المحلي وبين رغبته واستعداده للتفريط في حقوق الوطن.
وبدأت المناورات العقيمة، التي كان منها توريط كولومبيا في اقتراح أفهمت أن مصر سترحب به، لكن ما أن عرض هذا الاقتراح حتى عجز النقراشي عن قبوله، فقد كانت الجماهير تتربص به متمسكة في كل لحظة بتصريحاته بأنه" لا مفاوضات الا بعد الجلاء".
وهكذا يتصور بعض الساسة أنهم يخدعون الناس بتصريحات كلامية وشعارات للاستهلاك المحلي... لكنهم ينسون أنهم يضعون بهذه التصريحات قيودا على حركتهم.
وعلى أية حال فإن المثل يقول" الطبع يغلب التطبع".
أي أن الاتجاه نحو التفريط بحقوق الوطن قد تقيه أو تحد منه تصريحات كلامية للاستهلاك المحلي... لكن النهاية تأتي.. ويغلب الطبع على التطبع فيكون التفريط.. ويكون الدرس الذي تعي له الشعوب فتتعلم الا تصدق كلمات من لا يصدقونها القول.
مصري
* تقدم الأمريكيون باقتراح لمعالجة بعض الموضوعات المعلقة مع إسرائيل فإذا بالرئيس السادات يعلن عدم موافقته، ولم تجد أمريكا بدا من أن تسرب للصحف خبرا أن السادات هو الصاحب الأصلي للاقترح وانه طلب إلى الأمريكيين التقدم به حتى يمكن تمريره على المصريين...
وعادت إلى الذاكرة قصة الاقتراح الكولومبي.