تقديم/ هشام النجار
قد يكون هو السجين نفسه هو الذي يطلب هذا الطلب من أحد زائريه أو أحد أقاربه كيلا يحدث ابنه – ابن السجين – بحاله ومعاناته .. وليحدثه عن الحياة وعن الحرية والجمال ومظاهره في الكون الرحب .
وقد تكون حكمة عامة ذات هدف محدد وفلسفة لا يخطئها أي أحد.. لكن رغم الوضوح ورغم أن الجميع يعرف فنادرا ً ما تجد تطبيقا ً عمليا ً لهذه الفلسفة.. وقليلاً جداً ما يُحجم من خاضَ تجربة السجن عن حكي المآسي والآلام وما يُؤتى فلسفة الواقع هذه إلا الحكماء القادرون على الضبط والربط والتسامي فوق الآلام ونسيان حظ النفس ليخرج للأجيال والبشرية من رحم المحن والآلام أروعَ ما في التجربة من تسامح وخير وعلم وإنسانية .
السبب الذي يجعل هؤلاء الحكماء الكبار يصمتون عن ذكر ما تعرضوا له من مآس يشيب لها الولدان هو ذاته السبب الذي يجعل هذا الرجل - بطل هذه القصيدة - يُلح على صاحبه لكيلا يحكى للطفل ويشبع تطلعه وينفذ رغبته في معرفة تفاصيل حياة السجين .
وإذا سرنا وراء رغبة الطفل وحكينا له التفاصيل المُرعبة والقصص المُظلمة ، نشأ على الكراهية وغذينا الأحقادَ في نفسه وربيناه على الثارات والرغبة في الانتقام .
سيلح الطفل كثيراً .. فما أكثرَ السجناء وما أكثر من عانوا الحبس والظلمة سنينَ طوال .
لكن ينبغي أن نلح نحن لننهى تلك المآسي من حياتنا ولنفتح آفاقاً جديدة لأجيالنا ولنعلمهم أن هناك اختيارات أخرى ووسائل شتى وطرقاً قد تكون طويلة بعض الشيء بها نصل إلى أهدافنا البعيدة ونحقق مُثلنا العليا في الحياة من دون التعرض لتلك التجربة القاسية الرهيبة .
الصغير يسألُ ابتداءً عن حياة السجين كيف هي ؟
لا تصفها له ولا تجعله ينشغل بالأوجاع والمآسي والقضبان والسلاسل والقيود والحراس لينطلق ويبدع في الحياة وليكتشف ذاته بين مفردات الكون وجموع الناس .. ولينتج الجديد وليثبت ذاته دون قيود .
الصغيرُ لا يزالُ صغيراً فلا تجعله يَكْْبر وَسْط الظلمة والألم والمحن وقصص التعذيب والمواجع والآهات والدموع والدم .
ضعه وسط الحدائق والهواء الطلق لينمو بسرعة وتتسع مداركه في الفضاء الرحب وليرى أشياءً أجمل وأولى بالمشاهدة من وجوه السجانين والبوابات الكئيبة والجدران الموحشة .
أما السجين فسيخرج حتماً وسيتعلم من تجربته وسيُنمى أفكارَه وسيُراجع أخطاءَه وسيواصل مسيرته وسيعطى زبدة تجربته للأجيال.
لكننا لا نتمنى أن يكون هناك سجيناً آخر.. نريد أن تتوقف المآسي عند هذا الحد وأن نكتفي من السجناء والقيود .. ويظل صغارنا وشبابنا وأجيالنا الطالعة أحراراً يمارسون الحياة بكل بهجتها ونضالها السلمي وعطائها الفكري والعلمي .. فلا تكرارَ للمحن والمآسي ولا تغذية لمشروع سجين جديد ولو حتى بترديد القصص.. وبمجرد إشباع تطلع صغير لنا بإعطائه نبذة عن حياة سجين .. كيف هي ؟
الصغير
للشاعر اليونانى/ أرنستو ديازى رودريجوس
لو سألك طفل أن تصف له
كيف هي حياة السجين
قل له أولاً
إن هناك أشياء أخرى أكثر جمالاً
مثل الزهور في الربيع
عندما يكتسي ألف لون ولون
أرِه السماء ، الفراشة ، النورس
وسترة ريشه الثلجية على سطح الموج
لو بكى الطفل
لو سألك فيما بعد أن تصف له
كيف هي حياة السجين
قل له إن هناك أشياء أكثر جمالاً
الوردة البيضاء .. النجمة البيضاء
وألوان علم البلاد
لو سألك طفل أن تصف له
كيف هي حياة السجين
غن له أغنية
العب معه
ولا تصف له حياة السجين