في ذاك الصباح جهزت أولادي ومضى كل منهم يحمل حقيبته إلى مدرسته،بعد أن رمى أحدهم بثوبه هنا وترك الأخر كوب حليب فارغ هناك ،قمت وكلي همة لأنهي ترتيب بيتي وما يتبعه من تحضير الطعام قبل عودة الأحبة ،هناك في الركن الآخر من الصالة حيث أمضى زوجي سهرته المعتادة يتصفح مواقع الإنترنت,تبعثرت أوراق ،وبعض أقلام ،فنجان قهوة ،ونفاضة سجائركادت أن تسحق قهرا لكثرة ما أطفئ فيها من أعقاب .
عريت نوافذي من ستائرها ،ولملمت بعض الأغراض ثم أخذت بريموت التلفاز أشغله لأسمع آخر الأخبار كعادتي كل يوم ،ولا أذكر أن هناك مايشدني إلى هذا الصندوق الفارغ سوى مشاهدة نشرات الأخباروما يطرأعلى العالم في كل لحظة، والتي ما أن ينتهي النهار حتى تكون قد حفظتها لكثرة الإعادة,هذا وإن تابعت الشريط في أسفل الشاشة فسوف تحفظ الأخبار عن ظهر قلب .وكثيرا ما أمل من ذلك فأحول محطتي إالى سماع القرآن الكريم من إحدى المحطات التي جزى الله أصحابها كل خير أن ثبتوا على ذلك رغم مايحيط بها من قنوات الخلاعة والطرب المنحط .
هذا الصباح تسمرت عند أول خبر ....يا لهول ماصنعوا بالعراق يا صلاح الدين ؟
وجدتني أصغي لتفاصيل الأحداث بكل جوارحي ,تركت كل شيء حولي وكأنه ينصت لما أسمع ،تضاربت خلجات صدري ،إنها المشاهد ذاتهاهنا وهناك ...فلسطين ياحبيبتي وكأنك تأنين لجراح العراق ،كيف لا وقد عاثوا في أراضيها الفساد ،خاضو في دجلة حتى تعكر صفو الفرات -أولئك الغازين القادمين من مواطن السوء ،عليهم دائرة السوء ولعنهم الله ..
كانت عيناي تحدق في هول ماينشر وما خفي كان أعظم ...سيارات الموت تثقل كل مكان ,ودماء الشهداء تمسك بقوة على حبات التراب وكأني بها تقول لها لا تتباعدي ،هذا تفجير في البصرة وآخر في الموصل وأخر في الرمادي ،وهذه الفلوجة تقطع عنها ومنها الأخبار ،دير ياسين العراق هنا ،وصبرا وشاتيلا لبنان هناك ،تداعت أفكاري وأحسست أني سأفقد وعيي ،أاغير المحطة أم ماذا ،آثرت أن أستمع أكثر لعلني في ذلك على الأقل أشارك أحبتي هناك بالألم والدمع .
وتداركني شيء من غضب وشعرت أني أحدث ذلك الصندوق ،فكثيرا ما أجده يعرض لنا مصاصي الدماء على شاشته ،هذا يبتسم ابتسامة صفراء وكأنه يلوك بين أنيابه طفلا ،وذاك يتلذذ بدماء تسيل من جرح ثكلى ويندد بما يفعله الإرهابيون ،برأيكم من هم الإرهابيون ,ومن هناك نذل يعرض شريطا مصورا لما قام به زبانيته من تدمير واحراق ميميا ذلك نصرا ،ألا ترون معي أيها السادة أنهم يشاركون بذلك في سحق نفوسنا المحطمة .
ثم أثار حنقي خبرا ولعله تقريرا عن لجنة تقصي المكائد ولجنة حقوق الشيطان في أوطاننا،لم تشبع نهمهم أطفال فلسطين ،ولا صرخات نساء العراق ،باتت عيونهم الشرهى تستبيح أمن سوريا وترى أشداقهم تقطر دما عند ذكرها ،قلت في نفسي ولم تكد تطاوعني حتى في مجرد فكر :ماذا لو حدث ذلك لا سمح الله ،وهل تراه دورنا القادم ؟أم مصر أم لبنان ،أم تراه هدم بيوت الله في أوطاننا الحبيبة .
ماعسانا أن نفعل نحن المتسمرون أمام شاشات عرض الجراح والإبادة ...من للأمهات الثكلى ,ومن لأطفال بات الخوف ضجيعهم .
أطفأت جهازي وأجهشت بالبكاء داعية الله ألا يحقق للغازين أربا ,وأن يجمع كلمة المسلمين ،ويحررأرضنا السليبة ،وأن يعيد الأمن والسلام لعروق عراقنا الحبيب ،والله حسبنا ونعم الوكيل .
ثم قمت مسرعة أنهي عملي لأحضر غداء زوجي وأولادي .