دريم سيتي..
التاريخ/23-6-2006
مابين العاشرة مساء..الى الحادية عشرة ونصف..
المكان/ العراق/دهوك
الموضع/؟؟؟
بشير طفل لم يتجازر عامه الرابع..كان مرحا..ويحب اللعب والخروج مع اخته التي تكبره عاما بشرى..كانا معا يشكلان البسمة الحقيقة لواليدهما..الوالد اسمه سمير..وهو شاب في مقتبل عمره..حيث لم يتجاوز العقدين والنصف بعد..كان طفلا صغيرا عندما حرم من حضن والده الذي توفي اثر رصاصة طائشة من جندي..خرقت جمجمته..وسجلت فيما بعد ضد مجهول..ل سمير اخ اصغر منه واختان ايضا هما اصغر منه..عاش سمير منذ طفولته كمن كلف قدريا بحمل اعباء اهله..لكنه ثابر واستطاع بعد سنوات من الدراسة ان يدخل معهد الفنون الجميلة قسم االتشكيل..وبعد خمس سنوات من الدراسة تخرج وتعين في احدى رياض الاطفال واثناء ذلك.. تزوج من احدى بنات عمه الاكبر..سمير يُعرف عنه اتزانه ولطفه والحنان الذي يحمله للجميع..وكيف لا..وهو يقضي اغلب اوقاته مع الاطفال في الروضة..زوجته اسمها جنار هي لم تستطع ان تكمل دراستها..لكنها دخلت مدرسة اخرى هي لاتقل عن الاخرى من حيث الاهمية..مدرسة الحياة..وبالاخص الحياة الزوجية..حيث حملت اعباء البيت مع زوجها..البيت الذي يتكون من ام..معاقة..واختين تدرسان..واخ مهاجر الى الغرب من اجل العمل..بعد سنة واحدة رزقا بطفلة جميلة..وسموها بشرى...وبعد عام من ولادتها رزقا بطفل اخر وسمي بشير تيمنا باسم والد سمير...
مضت الايام بسرعة..فهاهي بشرى قد دخلت عامها الخامس...وبشير اصبح على مشارف الرابع..حيث كانا يمثلان شعلة فرح داخل البيت بل حتى داخل محيط العائلة كلها.
في يوم صيفي حار..استيقظ سمير على صيحات بشير..وهو جالس على صدره.
بابا..
سمير..نعم..نعم بشر ماذا تريد..
بشير..ألن تشتري لي ملابس جديدة فاليوم موعدنا للذهاب الى دريم سيتي..
سمير..بلى اشتريها لك..لكن مازال الوقت مبكرا فدعني انام قليلا ثم اخذك الى السوق لنشتريها معا..
بشير..تريد ان تخدعني..لا..اريدك ان تستيقظ الان..لنذهب..
سمير..لكن....ينظر الى عينيه وقد تجمع الدمع فيهما..لاباس نذهب الان..
يغير سمير ملابسه وحتى لايفطر..ويخرج مع بشير الى السوق..وهناك يشتريان ملابس جديدة له..ويعودان..وفي المساء..
بشير..جنار لماذا لانذهب ..
جنار..نحن ننتظر عمتك..واولادها..عندما ياتون نذهب..
لحظات وتاتي العمة...في الحقيقة هي عمة والده..لكنهم يقولون لها ايضا عمة..
يستعد الجميع فيخرجون الى دريم سيتي..وكأني نسيت ان اذكر بان الاخ الاخر لسمير واسمه امير كان قد عاد من الغربة وتزوج هو الاخر واصبح الجميع يعيش في شقة واحدة..اخذهم امير الى دريم سيتي..وهناك كل ذهب الى مكان..لكن بشير وبشرى وجنار كانوا معا وكأن القدر قد دس شيء ما في جعبتهم تلك الليلة.
بشير..جنار..جنار...اريد ان اركب هذا القطار السريع...
جنار..ابني مازلت صغيرا..قد تخاف...
بشير..بحزن..لا...اريد..اريد...
جنار...لكنها خطرة واخاف ان تقع..
بشير..بصوت يخنقه البكاء..اريد..اريد...
تستسلم جنار لبكاءه..وتأخذه الى المكان المخصص لركوبهم..وتضعه في احدى المقطورات..وتقول له ابقى مكانا حتى آتي باختك بشرى..
تمضي الام لتبحث عن الاخت التي كانت حتى قبل لحظات معهما..وتتاخر قليلا..كان القطار قد بدأ بالدوران..لكنه هذه المرة لم يستمد طاقته من الكهرباء.. انما من دم بشير..الذي كان قد وقع تحت السكة دون ان يلاحظ احد ذلك..
جنار..لمشغل القطار..اين ابني...
المشغل..لا اعرف سيدتي..ابحثي عنه ..
جنار..لكني وضعته في المقطورة..
المشغل..يكتم انفاسه..ويخفي دمعة تكاد تفضحه..دعني ابحث عنه..
جنار..انا ايضا سابحث عنه..
تعود جنار..لم اجده...
المشغل..لقد اخذوه للمستشفى..فقد جرحت ساقه..
جنار..تصيح..وتبكي..ويلتم الاهل حولها..لااحد لحد الان يعلم مصير الصغير بشير..
الكل يذهب الى المستشفى..كان امير..واثنان من رجال الشرطة قد رافقاه هناك..
جنار..اين ابني..
امير..ابنك...لكنه لاقوى على قولها...
جنار..تكلم اين ابني...
احد رجال الشرطة..سيدتي لقد وقع تحت المقطورة فداست عليه..
جنار..تصرخ وتبكي وتستغيث..لاجدوى..انتهى الامر..لقد مات...
ويلتم الاهل جميعا هناك..ويأتي الاقارب...ويؤخذ بشير ذلك الطفل الصغير الى احد المساجد..فيغسل ويكفن..ولاينتظرون الصباح..انما يأخذونه ليلا الى المقبرة ليدفن هناك..وليوار جسده الندي..الطري..الملائكي التراب..فتسدل الاقدار ستارها على حياة طفل صغير..ولتسجل في اروقة سجلاتها انتصارا اخرا..
وفي الصباح...الجميع مستيقظون...
بشرى..تذهب لامها..جنار..اين بشير...؟
جنار..لاتتمالك نفسها فتجهش بالبكاء...وتُبكي الجميع..
بشرى مذهولة..اريد بشير..اريد رؤية بشير..اين هو...
سمير..بنظر الى السماء...يناجيها...ابلعيني... انا لم اعد اتحمل المزيد..
لكن السماء.............؟
تأخذ الجدة بشرى بين احضانها..وتبدأ بسرد تلك القصص المخدرة لها..فتهدأ..
ولحظات حتى تجمع الاهل والاقارب وبدا الناس ياتون لتقديم العزاء...وكعادة التعازي الشرقية..يتجمع الناس ليبحثوا في امور دنياهم..
ولا احد يبالي بان ما جمعهم هو..موت بشير...ابن سمير..هذا الشاب الذي تغلي اعماقه مثل بركان...ودموعه لاتفارق عينيه..لكن..من يهتم..
سمير..مع ذاته..آه..
امير..كفاك اخي انك تقتل نفسك..
سمير..نفسي...نفسي...انه بشير يا اخي..
امير..لكنه القدر...ايضا اخي..
سمير..اعلم انه القدر..لكنه الالم ايضا..
امير..جميعنا نتألم..
سمير..الالم لديكم ليس الم يأتي ليذهب بعد ايام..لكن ما اعانيه انا بعض منه يسمى الالم..كأن جسدي قد تفتت الى قطع..كل قطعة له صنف من اصناف الالم وهي كلها ليست الا الالم..اقصد بعض ما اعانيه..
امير..يبكي..ويحض راس اخيه..لاتقتل نفسك...كفاك..من اجل بشرى..
سمير..نعم..نعم..بشرى...بشرى...ب شير بشير..
عذرا..كنت اود ان اعيد صياغتها..لانها تعني الكثير لي..لكنها حدثت امس...لم استطع حتى ان اعيد قراتها..فعذرا...عذرا..انه بشير...
محبتي للجميع...
جوتيار