بسـم اللـه الرحمـن الرحيم
الرسالـة الثالثـة
يمامتي البيضـاء،
انتظرتِ طويلاً، أليس كذلك؟؟؟
هلْ لي أنْ أطرقَ بابكَ، يا سفراً لم يشتدّ عودُه بعدُ؟؟؟؟
امتطتْ عقاربُ ساعتي الليلة جوادَ الزمن، وانطلقتْ بي إلى أنهارِ الثالثة صباحاً، لأرشفَ معها حلماً لاينضب، سفراً سيطولُ، قد يستنزفُ العمرَ كلَّه، وقدْ يُهرِقُ لُحوني كلَّها قبلَ أن يتعلمَ وتري الغنـاء.
صديقتي، إنني هنـا أنتظركِ، فقد اتخذتُ قراري الأخير ولن أتراجعَ عنه، طرّزي ثوبَ السفر، ولملِمي بهِ بقايايَ وجراحَ الزمن الأخضر، ودثّرينا به معاً ليشرقَ عهدُ النعناع من جديد، وتُزهَقَ روحُ الحرب والكره والأحزان..
أنتظركِ قربَ شجرةِ الصنوبر التي زرعناَها معاً العامَ الماضي، والشوارعُ حولي تقتاتُ من صمتها، يعوي فيها الصمتُ والحزنُ والعتمة، وذكرياتي تتراقصُ كالفراشاتِ على أناملي الباردة التي أتلَفها الوداع، حتّى أشواقي التي أزهرتْ على غصونِ روحي، صارتْ لقمةً سائغةً لأجفاني المنهكـة.
أحدّقُ في حقائبي التي ترقبني في صمتٍ، تنتظرُ معي رحيلاً قريباً، وعينُ قلبها مغرورقةٌ بالخوف، ونبضُها قد فرّ هارباً عنها وعني ليمكثَ قربَ الأحبابِ هناك، حيثُ يرقدُ حبةُ قلبي: والدي، وهوَ يدغدغُ أحلامي، ويطرّز لي كتاباً عن حبِّه الخالـد، وكتاباً آخر عن أميّ موشّىً بالنبضِ وماءِ الحيَـا.
هنا، قربَ شجرتنا الوحيدة، وعدني الزمنُ الجميلُ أن يخطفني على حصانه الأبيض سريعاً، قبلَ أنْ يستيقظَ الزمنُ المرُّ ويغتالَ أحلامي وأحلامَكِ، ويمنعني جنيَ فاكهةِ السلامِ والحنانِ لأوطانِ الحبّ.
يمامتي..
سأترككِ الآن، لأن النجمة الأولى أخبرَتني أنّ موعدي معكِ قد اقترب، وأنّ والدي سيشتاقُ لأغنيةٍ اعتادَها مني كلَّ صباح، لوردةٍ كنتُ أدغدغُ بها جبينَه، قبلَ أن تتثاءبَ بسمتُه على شفةِ الفجـر.
سأعـود إليـكِ، في موعدنا نفسه، حين تقتربُ الشمسُ بحقائبها من مينـاء الغروب، لأكتبَ لكِ خطابـاً آخــرَ ..فانتظريني..