:NJ: فطرت النفس على الجمال ....
إذ الله جميل يحب الجمال ....
ويريد لعبده الجمال كله ....
وأجمل الجمال تجريد العبودية ....
خالصة نقية من غير تخليط ....
وبقدر العيش مع موازين الجمال هذه ....
يكون جمال المرء في نسبته ....
ومن خلط فقد شان وغلط ....
نحن للجنيد ونطلب منه الكلام في الحب ....
والحب أرقى الجمال ....
فقال بعد أن أدمعت عيناه وأطرق رأسه :
( عبدٌ ذاهب عن نفسه
متصل بذكر ربه
قائمٌ بأداء حقوقه
ناظر إليه بقلبه
فإن تكلم فبالله
وإن نطق فعن الله
وإن تحرك بأمر الله
وإن سكن فمع الله .
فهو بالله ، ولله ، ومع الله . ) مدارج السالكين 3/16 .
حين الهجوع لا يهجع ....
يتفكر يتأمل يصعد ....
كأنه يسمع تسبيح الملائكة ....
ويرجف قلبه مع النذراة والدعوة إلى الله .
يرى آيات الله تترى ....
ويرجع بصره وهو اليقين ....
كأن قلبه يتذوق عين اليقين ....
ويلبس في جسده برد السلامة والإيمان ....
ويعزم بالله على أن الله ناصره ....
مهما اشتد الصراع ....
ومهما بلغ الخطر ....
ومهنا بلغت الحناجر في القلوب ....
يجوب مع النبي عليه الصلاة والسلام
في غزواته وفي فتوحاته ....
وفي صيحات رهط الصحب الكرام تسكين لدمه الفائر ....
ثم يطوف به قلبه في رهط التقى ....
فيشغفهم ودا ....
ويطمع في زمرتهم ....
ويزداد كرهه لمن كفر ....
ومن هوى ومن غدر ....
جمعها الأميري في أبيات :
مع الله في سبحات الفكر
مع الله في لمحات البصر
مع الله حال احتدام الخطر
مع الله في الرهط والمؤتمر
مع الله في حب أهل التقى
مع الله في كره من فجر
كأن الأميري كان حاضرا لمجلس الجنيد ....
فأنظر أنت أين مجلسك ! ....
وارجع بصرك فيما قيل ....
وتأمل في جلسة الجنيد ....
وكيف أطرق برأسه ....
وكيف سالت منه الدموع ....
واسأل دموعك! ....*
:NJ: مع الله فيما سبق ....
مع الله بما نطق ....
معلنا البراءة ممن شرَق ....
طامحا للعلا بقلب خلِق ....
دافعا هواه كيفما اتسق ....
ترقص روحه للجنان ....
ويرجف بدنه من النيران ....
قدوته الزاهد عبد العزيز بن أبي رواد :
( كأنه يطلع على القيامة ) تهذيب التهذيب 6/339 .
وتفنى في قلبه قبل عقله الدنيا ....
كل الدنيا ....
فتكون مجالس قلبه إن لم تسعفه مجالس إخوانه ....
كمثل مجالس الإمام أحمد :
( مجالس آخرة ، لا يذكر فيها شيء من أمر الدنيا ) مناقب أحمد/214 .
حصار أخروي لقلب غطاءه دنيوي ....
أول منازل هذه الدنيوية فيه : الهوى ....
وإنما سمي هوى ( لأنه يهوي بصاحبه ) ....
يخشى أن يكون هو كمثل الآية :
( والنجم إذا هوى ) سقط ....
سقط أو تعثر أو وقع أو انكبح ....
كلها مانعة من صعود واتزان ....
وما الهوى إلا وسخ في القلب ....
أو ضيق في رؤية الحق ....
أو شهوة جامحة ....
أو شبهة سابحة ....
تُغبش عليه صفاء الكوكب الدري ....
وتعكر صفو الزيت الرباني ....
ويعلو السواد المشكاة ....
فما ترى إلا لهيبا أسودا ....
لا ينير طريقا ، ولا يعين قاصدا ....
ولا تثمر شجرته إذ الجذر في الهواء ....
وقد علاها الوسخ ....
فإما الصرع بالهوى ....
وإما تذكر الأمثال ....
( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ
الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ
كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ
زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ
يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ
نُورٌ عَلَى نُورٍ
يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ
وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ
وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) النور /35
ويحك يا نفس ....
تتركين نورا على نور ....
وتهملين الشجرة المباركة ....
وتتنفسين الغبار ....
يصدع فيك شيخ الإسلام ابن تيمية :
( المأسور من أسره هواه ) .
تقعين في الأسر وهو أسر ! ....
وتحبين السجن وهو الحبس ! ....
ثم تظنين أنها زيتونة ! ....
كلا ... الحرية هي الرداء ....
وفي عزمات عبد الوهاب عزام تعريض بمثلك :
قيّد الحُرّ نفسه برضاه
وأبى في الحياة قيدٌ سواه
وترى العبد راضياً كل قيد
غير تقييد نفسه عن هواه
قيد العبودية لله ما هو بقيد ....
يظن القلب البليد أنه قيد ....
فيطلب التحرر منه فيهوى ....
ويجوب عرصاته وميادينه .....
تاركا حرية الارتباط ....
مستنكفا عن الصعود للعلياء ....
يهمس في أذنه وليد الأعظمي :
والقلب ما لم يكن بالله مرتبطا
فإنما هو بالأهواء جوّاب
ويحك يا نفس أفيقي ....
تبتغين أبيات الأميري !....
وعقد الإمارة قد هوى ....
تدعين أنك مع الله ....
ووسخ الهوى يمنع دعاء الملائكة ....
وقد تشوه المحراب ....
رب طهر قلوبا تحبك ....
رب سلم أفئدة تريدك ....
رب أعن أرواحا تبتغي رضاك ....*