تصميم الحبيبة سحر الليالي..
دفء..
يحلو ارتشاف المشروبات الساخنة في فصل الشتاء .. قهوة .. شاي.. حليب.. دافئة ، حنونة .. تذكرني بأيام طفولتي ، عندما أتدثر بحضن أمي ، أو عندما أتلحف في فراشي أيام مراهقتي ؛ لأقرأ رواية عاطفية . ومن الجميل – وأنا العاطفية – أن تتتابع دموعا ساخنة على وجنتيّ تأثرا بأحداث القصة ، و أن أشعر بآلام الفراق ، فأشد الغطاء نحوي أكثر ؛ كي لا يهرب جوا مشحونا بالدفء في أيام الشتاء الباردة .
دفء..
ولنزول الغيث دفء من نوع فريد ، فهو وإن كان قطرات باردة تتتابع بنغم شجي عذب ؛ ينساب دافئا بلحن الحياة ، لم يعد الجو جافا باردا ، فهناك حياة تنتعش ، وتتحرك : قطراته الهتانة.. تحرك الأجنة في بطن الأرض.. الاحتماء في بيت ، أو جحر ، أو تحت مظلة.. الدعاء المستجاب وقت نزوله.. كلها مشاهد دافئة ، يسكن لها القلب .
دفء..
وكما لقطراتك دفء – أيها المطر ، فإن للكلمات دفء جميل.. مصوغة بحرارة القلب الصادق بحبه ، وشوقه ، وامتنانه ، وتقديره.. فإذا ما شعرت يوما بالبرد ؛ فاجلس إلى شخص يحبك يحادثك ويسامرك ، ستشعر بالجليد وهو يذوب ، ستتلذذ بأغاني الوجدان ، والهمسات الماطرة..
وعندما لا تجد شخصا قريبا بجسده ، فليكنْ قريبا بروحه وحسب ، تقرأ قصاصاته.. أدبه.. شعره.. نثره.. بوحه.. تجاربه.. حكمته.. عشْ أجواء أخرى غير ما تعيش ، وتلمس زواياها الدافئة ، بمجرد أن تخوض حياة إنسان ؛ ستشعر بدفء الإثارة !
دفء..
أجلس إلى مدفأتي ، والمطر ينهمر دمعا ساخنا ، وفي داخلي بعض دموع دافئة هي الأخرى ، لو أنها تنزل الآن.. لربما ذقت منها دفئا جميلا ؛ فكم للبث والنجوى من حرارة ممتعة ، وحيث ينزاح جدار من جليد يبطن الصدر مع مخالطة عجينة الحياة بما تحمل من ألوان ، وأصناف .
دفء..
لقلمي دفءُ البوح ، والانتعاش بفكرة ! هكذا أرى حبره يغلي ، وتتصاعد أبخرته ، فأنتشي بأجوائه الدافئة . وأجدني أبثه عاطفتي : شوقا ، حبا ، فرحا ، حزنا ، ألما ، أملا.. فيسايرني ، ويعانق رغبتي ، فيهمي – مثلك يا مطر- فيحصل الدفء : دفء الإحساس بروعة الإنسان القابع داخلي !
دفء..
لحديث الذكريات دفء ، منقوشة على الذاكرة أو الورق ، ترسل أشعتها الهادئة.. تهدر جداولها في مسارات الحواس ، فيهبط طيفها الدافئ مع قلوب اجتمعت ، أو افترقت...
دفء..
ولقلب أمي دفء فريد ؛ إذ تحبني دائما ، لا أجد في عاطفتها تذبذبا ، بل يغمرني الإحساس بالقوة ، إذ أن شخصا سيضمني في أيامي الباردة ، القارصة ، القاسية.. فيغشاني شعور الأمان ، ألتحف به ، فلا يضرني أن ألاقي جفوة..
أحب حضن أمي الدافئ..
أحب الخبز الساخن..
أحب أشعة الشمس..
أحب أنفاس الحبيب..
أحب الاحتكاك والمخالطة والاندماج..
أحب الإحساس الحي ، والوجدان المتدفق..
أحب الدفء..
وأحبه أكثر.. وأريده أكثر.. عندما تغشاني رجفة برد !
دفء...
خلود داود أحمد