يسير في وسط الطريق المظلم ، تتحسس كفه اليمنى مسدسه، تتحفز عيناه فجأة ، لأنه لمح ظلالاً تتحرك من حوله.
يتمتم بآيات من القرآن ، يعلم أحمد أنه مراقب منذ فترة، لأنه يحمل معلومات مهمة، بلغ من أهميتها أنه مطلوب لأعداءه حياً لا ميتاً .
وربما من حسن حظ أعداءه أو ربما من سوء حظهم ،أنه كان يحمل بعضاً من هذه المعلومات المهمة في قلم " فلاش"ويعلقه في رقبته داخل قميصه، لأنه سيقاتل حتى آخر رمق، هكذا قرر.
أحمد صاحب الجسم الضخم، واللحية السوداء يتخللها بعض الشعر الأبيض،يعرج على قدمه اليمنى عرجاً غير واضح ،نتيجة إصابته من اليهود، وجد خمسة من هؤلاء الأعداء يحاصرونه ، يبتسم ويهز كتفيه مستعداً للقتال ، يقرر أنه لن يستخدم سلاحه الشخصي، يتخذ وضعاً قتالياً مناسباً ، ويبدأ أعدائه في الهجوم عليه، يصدهم بضربات خفيفة لكنها قوية، يتذكر أساليب القتال التي علمها له الشيخ صلاح أستاذه، يطبقها ببراعة، وفي لحظة ينقض عليه أحدهم وبيده إبرة مخدر ، يغرسها في ذراعه ، يواصل قتاله، تبدأ عيناه بالخمول لكنه يقاوم، ينفض يديه في الهواء ليبعدهم عنه ، لكنه يتهاوى على الأرض ، وقبل أن يغيب كلياً عن وعيه يسمع صوت طلقات.
*******************
لا يدري كم مر من الوقت عليه قبل أن يفيق ، وعندما أفاق أحس بأنامل ناعمة تمسح عنه العرق يطالع صاحب هذه الآنامل ليرى وجه فتاة محجبة ، يراها جميلة جداً ، أو ربما هو تأثير المخدر عليه، يعتدل فتساعده ، يلحظ في يدها اليمنى مسدساً ، ينظر حوله فيرى جثث أعداءه ملقاة، ينظر نظرة إستغراب إليها وكأنه يسألها : من أنت؟
ابتسمت إبتسامة رقيقة قائلة له : زهرة .
سألها : أنت من فعلت هذا بهؤلاء.
هزت رأسها وقالت : نعم.
هتف فجأة : لماذا ؟؟
نظرت إليه مستغربة ولم تجب.
تحامل أحمد على نفسه ونهض ، ثم تأمل في الجثث التي على الإسفلت ، وسارت معه زهرة، وفجأة ألتفت عليها : من أنت ؟
ستعرف عندما يحين الوقت ، لكن عليك أن تفهم أني أنا وأنت في خندق واحد.
ثم تركته ومضت.
****************
تمدد أحمد على فراشه ، تصارعت الإفكار في رأسه ، من زهرة هذه؟ ولماذا تقف إلى صفي؟
وأبحرت به الأفكار إلى صاحبه العراقي ، العراقي الذي كان يخاطب أحمد بشيخي واستاذي .
يتذكر عندما كان يقول له : أنت يا صاحبي العراقي ستكون مفكراً ، أديباً ، ستكون تحفة العراق يوماً من الأيام.
فجأة يبدد العراقي حلمه ، عندما يخبره أنه سينضم إلى الجيش الموالي لأمريكا، لماذا أيها العراقي تقسو علي ؟ لماذا تصر أن تكون من أعدائي ؟
ألم تكن قاسياً عليه أنت يا أحمد عندما قلت له أنت جبان خائن عميل؟ بلى كنت قاسياً عليه ، بل كان يجب أن أكون قاسياً عليه، لقد ترك شيخه لينضم إلى أعدائه ؟
يا إلهي ، لماذا يصبح الكثير من أحبابي أعداءً لي ؟ رحماك يا ربي رحماك.
ربما كانت "زهرة " رحمة إلهية بي ربما.
******************
في الصباح يخرج أحمد ، يتصفح في وجوه الناس ، لا يرى وجه زهرة ، يسآئل نفسه ما الذي يدفعه ليبحث عنها ؟ هل وقع في حبها ؟ يبتسم طارداً هذه الفكرة من عقله،إنه لا يقوى أن يفكر في الحب أصلاً ، لأن ملاحق من أعداءه.
يشعر بأناس يتحركون وراءه ، يسير بهدوء ، لن يستطيعوا أن يفعلوا معه شيئاً في هذا الزحام، يمر على مطعم الحج حسن ، يرد السلام عليه ، يرد عليه بإبتسامة ، يقول أحمد في نفسه ربما أنت يا عم حسن الطيب الوحيد على هذه الأرض، ثم يتذكر باسماً أنت وزهرة.
يأتي له الحج حسن بوجبته التي بات يحفظها جيداً ، طبق من الفول مع الحمص، وشيء من الفلافل والفلفل الأخضر، ودقة ملح .
ينتظره الأعداء خارج المطعم ، يلتفت إليهم فجأة هاتفاً بهم : تفضلوا يا شباب شاركوني ، يصير بينا عيش وملح يمكن تتركوني .
يدهش من في المطعم ، ينظر الحج حسن إلى الواقفين خارجه نظرة غاضبة ، ثم يخاطب أحمد : من هؤلاء يا حمد وماذا يريدون منك ؟
يقول أحمد بصوت عال : عملاء يا عم حسن ، عملاء ويطاردونني منذ فترة .
يمسك الحج حسن بإحدى سكاكين المطبخ ويخرج إليهم ليلوذوا بالفرار ، وعندما عاد وجد أحمد قد غادر.
**************
يبتسم أحمد في ظفر ، لقد تخلصت منهم ، بقي الآن أن أصل إلى البيت الآمن ، وبعدها لن يستطيعوا تتبعي .
يسير في طريق ملتوية ، نحو كوخ خشبي متهالك ، يبدو مهجوراً ، تتحفز يده على مسدسه ، فهو لا يعرف ما الذي ينتظره بالداخل ، يدخل برشاقة وقد أشهر سلاحه ، ليرى ذلك الوجه الجميل الذي أنقذه من أعداءه.
تعتريه الدهشة هاتفاً : من ............ زهرة؟
تبتسم قائلة : ألم أقل لك أنني أنا وأنت في خندق واحد.
ينزع أحمد الفلاش من رقبته ليدخله في جهاز اللابتوب المحمول الذي يتواجد على الطاولة الخشبية المتهالكة ، ليبعث بالمعلومات الخطيرة إلى رفقاءه في الخارج ، ثم يتلف الملفات الموجودة على الفلاش وعلى الجهاز ، تبتسم زهرة ، ويبتسم .
تسأله زهرة : ستسافر ؟ يهز رأسه : نعم سأخرج الآن ويتناول حقيبة ملابسه التي كانت تنتظره ، في الكوخ، تتراخى عن قبضته فجأة ويتجه إلى زهرة ، مقترباً منها وقال بصوت أشبه بالهمس : شكراً لك ، سأشتاق لك .
تسيل من عينيها الدموع ، وتدمع عيناه هو أيضاً ثم يسألها راجياً : هل تقبلي بالزواج مني ؟
تنظر إليه ، تمسح عينيها بهدب ردائها ، تبتسم وتهز رأسها موافقة.
يبتسم ويمسك بحقيبته ، هاتفاً : زهرة تأكدي أني سأعود ، بعد المهمة .
تخفض عينيها بحياء وتهمس :سأنتظرك .
تمت