الغريمة
طرق بابها ؛ لم تكن لترفض ما أحل الله حين وجدت فيه ما يناسبها ، ويهيئ لها فرصة التخلص من لقب .... وكأنه وصمة عار وشم بها الجبين ..
كم عانت من نظرات الإشفاق والجزع من البعض بسبب هذا اللقب ، وكأن بها داء معدٍ تخشى منه كل من كانت ذا زوج ، وحتى من لها طفل كانت تواريه عنها خوفا عليه منها ، وكأنها الغول التي تخطف الرجال وتأكل الأنجال ..
لم تكن تتوقع أنها ستقف في موقف الخصم بموافقتها على الارتباط به ، فليس من منكر تفعله ولامعصية ترتكبها إن هي قبلت هذا الطارق ، بل هو حق شرعي قد رخصَّه الله سبحانه وتعا لى لكليهما .
لم تكن هناك أية مشكلة منذ أن تزوجا ، حياتهما كانت طبيعية سعيدة ، مضت الشهور الأولى كأجمل ما تكون الحياة ،إلى أن طرق باب البيت يوما طارق لم يتوقعه كلاهما ..
مثل عادته كان يفتح الباب بنفسه لأي طارق ، يومها لا تدري لم تبعته ، فتاة في مقتبل العمر ، جميلة ذات شعر داكن منسدل حتى كتفيها ، بملابس أنيقة ، تقف أمام الباب المفتوح ، تنظر إلى كليهما بعينين فيهما الدهشة ، ودون أن تتفوه بكلمة ، استدارت ومضت بعد أن رمقته بنظرة فيها الكثير من المعاني ، وتركتهما وسط ذهول وارتباك ..
دفعها للداخل ، وخرج مهرولا يلحق الفتاة صافقا الباب خلفه ..
أتى بعد غياب أيام ، يجر أذيال البؤس ، لا تستقر عيناه على شيء ، يتحاشى أن تلتقي نظراتهما، وهي تلاحقه ببصرها في تساؤل صامت ..
مضت أيام غيابه عليها كأنها دهر من الجنون ، الظنون والوساوس تتآكلها ، لم تستطع أن تتصل بأحد من أهلها لتحدثه بأمرها ، وهي التي تحدت معارضتهم على زواجها به ، ورفضهم له ، فماذا تقول لهم وهي لا تدري حتى سبب غيابه ، كانت في حال مروع حين عاد ، البيت في حالة فوضى ، وهي تكاد تسقط من الإعياء بسبب السهر والأرق ، لانوم ولا طعام ، بكاؤها لم يتوقف وهي وحيدة لا تدري ما تفعل ولمن تلجأ ..
مرت ليال عليها وهي ترتجف هلعا ، قليلا ما كانت تأخذها سنة من نوم وهي تركن رأسها إلى باب المنزل ، تهب منها بجفلة كأنها تسقط من مرتفع عال ، ترهف السمع لكل خطوة تقترب منه ، يرتجف قلبها كلما أحست بخشخشة أو هبة ريح ..
قال وصوته يرتجف ..
ـ أتيت لآخذ حاجياتي ولعلي أغيب فترة لا أدري كم تطول ، ابنتي تنتظرني في الخارج ..
هرولت للنافذة ، اصطدمت بعينيها ..
ارتدت للخلف ، تتحاشى تلك النظرات التي تكاد تحرقها باتهام صامت بالخطيئة ، توارت خلف الستارة تتشبث بها والحجرة تدور بها ..
نعم وافقت على شرطه أن يبقى الزواج سرا عن عائلته ، وكانت تظن أنها ستكون في مأمن بعيدا عنهم وعن مشاعر الغيرة ، وعن مشاكل لم تكن مستعدة لمواجهتها والآن .. عليها مواجهة ما سيأتي ..
أخذت بعض متاع ، وذهبت في زيارة لأهلها متعللة بسفره إلى مدينة ثانية في عمل له ، والظنون تتقاذفها إلى ما سيؤول إليه أمرها بعد ما حدث ..
ما بين السؤال عن طول فترة غيابه من أهلها ، و بين صمته ، كانت تذوي كشمعة أتت النار على آخرها ..
استيقظت على رنين الهاتف النقال فزعة ، حدقت في الرقم المتصل محاولة أن تتبينه من خلال ومضات الضوء المنبعثة منه ، ولم تكن تصدق نفسها بأنه يتصل في هذه الساعة المتأخرة من الليل بعد غياب أيام ما عادت تعرف لها عددا ..
سكن رنين الهاتف ، وما لبث أن عاد وكأن الومضات الضوئية تعلن حالة الخطر ، ارتجفت يدها وهي تضغط مقبس الرد وفاجأها الصوت قبل أن تتفوه بكلمة ..
ـ أنت ؟؟
*ـ من المتحدث ؟؟
ـ وهل يحتاج الأمر لسؤال كي تعرفي من المتحدث ؟؟
*ـ ماذا تريدين ؟؟
ـ فقط بهدوء اخرجي من حياتنا ، ليس لك مكان بيننا ..
*ـ بأمر من أيتها الفاضلة ؟؟
ـ بأمري أنا زوجته ..
*ـ وأنا زوجته أيضا ..
ـ لا أنت لست سوى نزوة عابرة وانتهت ..
*ـ لو تكرمت هل لي بمحادثته ؟؟
ـ لا ..
لن تتحدثي إليه فقد انتهيت بالنسبة له ..
ستصلك ورقة الطلاق قريبا ، وأرجو أن تخلي البيت في أقرب وقت وإلا ..
أقفل الهاتف ..
وبعد هذا الإتصال المباغت قررت أن تكون غريمة ضارية ..