حلم احترق تواً
حمل أوراقه التي يحتاجها في عمله ، ومضى باتجاه العاصمة حيث مقر عمله كان قد أنهى للتو إجازة مرضية اثر أصابته في ساقه ، جاءت نتيجة انفجار حدث بالقرب منه .
خلال فترة الاستراحة تلك ، أنجز العديد من الكتابات الخاصة والمؤجلة ، بسبب مهنته التي تسرق منه اغلب أوقاته ، ولا تسمح له بالتركيز في كتابة نصوص شعرية او قصصية .
في الطريق الطويل الذي يسلكه باتجاه العاصمة كان قد اعتاد أن يمارس القراءة قتلاً للوقت والملل . وحين وصل مرآب سيارات الأجرة المتجهة للعاصمة، فتح حقيبته ليخرج منها كتاباً.. فتذكر أنه نسي جلب كتاب من مكتبته.
نظر الى جانبيه بحثاً عن الصبي بائع الصحف الذي اعتاد أن يتواجد داخل المرآب، يبيع للمسافرين الصحف والمجلات، لمحه يقف في البوابة، نادى عليه، فأتى الصبي مهرولاً ومعه مجموعة صحف مختلفة، اختار منها صحيفتين، دفع ثمنها واندسّ في السيارة التي انطلقت حال استقراره بداخلها. بدأ تصفح احدى الصحف، فيما انشغل بقية ركاب السيارة بحوارات عامة عن الوضع المتردي الذي يعيشه بلدهم.
كان يترك أذنه احياناً تسترق السمع لبعض الحوارات التي تحتوي بعض المعلومات، يدفعه الى ذلك فضوله الصحفي وشغفه بجمع المعلومات البسيطة التي تتم ما يختزنه هو من معرفة.
قلب الصفحة التي وصل اليها، وفي الصفحة المختصة بالثقافة والأدب، لفت انتباهه تواجد أحد شعراء المنفى في البلد، قرأ ذلك في خبر مكتوب على رأس الصفحة، يفيد بأن ذلك الشاعر أقام أمسية شعرية في مقر اتحاد الأدباء.
كان يعشق ذلك الشاعر كثيراً، ويحفظ جميع قصائده عن ظهر قلب مذ كان طالباً في الثانوية، ولطالما حلم بلقائه ومحاورته بشأن الشعر في المنفى وبشأن أشياء عديدة شغلته.
بدأ يسرح في خياله بشأن كيفية اللقاء معه، وقد جاء في الخبر أنه سيغادر البلد بعد يومين . وبعد تفكير صامت قرر أن يزوره في محل إقامته الحالية حال وصوله الى العاصمة.
عاد الى صحيفته من جديد ، انغمس فيها قراءة ولم ينتبه الاّ على صوت السائق ينبهه الى انهم وصلوا. فتح باب السيارة واستل حقيبته الصغيرة وحزمة أوراقه، بعد أن دسّ بيد السائق أجرته و اتجه مباشرة الى منزل (شاعر المنفى) وطرق الباب ليجد نفسه وجهاً لوجه مع ذلك الإنسان الذي أحبّه من قبل أن يراه، فقدم نفسه له من باب التعريف :
ـ علي العرّاف، شاعر وصحفي من جيل ما بعد هجرتك
ـ أهلاً وسهلاً، جميلة (جيل ما بعد هجرتك)
قالها المضيّف ضاحكاً ودعاه الى الداخل، وهناك انطلق الحديث يحمل تشعبات عدة، كان الشاعر يعرفه من خلال القراءة له عبر الانترنت وبعض الصحف التي تصل الى البلد الذي يقيم فيه، وكم صار سعيداً عندما سمع بذلك الأمر، فقد سرّهُ أن شعره وصل بلدان المنافي ، أخبره عن نيته في طبع نتاجاته الأدبية ، التي تتنوع بين الشعر والقصة ودراسة أدبية بشأن جيل معين من الشعراء. ولاحظ على وجه مضيّفه علامات انتباه، وحين انتهى من الحديث، أخبره الشاعر عن استعداده لطبع تلك النتاجات عن طريق أحد أصدقائه الذي يمتلك مطبعة خاصة ، وحين سمع ذلك انتابته حالة من الفرح الحقيقي، وصار يحدث نفسه.. أي حظ هذا الذي جاء مع نهار اليوم الذي يعيشه ، فحلم اللقاء قد حصل، وجاء الدور على حلم طبع نتاجاته الأدبية التي كانت تعيش سباتاً في مكتبه الصغير ، بعد أن عجز عن إيجاد دار نشر تتبنى طباعتها ونشرها.
بدأ الحديث يميل نحو الاتفاقات، وأخبره مضيّفه أن يأتي بنتاجاته في أسرع وقت كونه سيغادر البلاد بعد يومين وانتهى اللقاء على موعد في اليوم الثاني .
عاد الرجل مباشرة الى مرآب السيارات، فقد قرر العودة حالاً الى منزله، لجلب النتاجات حتى لا تفوته مثل هذه الفرصة التي لن يحصل على مثلها حتماً، وبعد ساعات كان أمام منزله، نزل من السيارة مسرعاً واتجه نحو الباب يفتحه، وحينما دخل ساحة المنزل لاحظ وجود آثار دخان على جدران غرفته الخاصة، ولم يكن أمامه أي تفسير آخر سوى - ان حريقاً قد شبّ في غرفته وأتى على كل محتوياتها، فأنزل رأسه نحو الأرض ونزلت معه دمعة ..!!
عدنان الفضلي