انبطاح الدولار؟
بقلم خالص جلبي
مع 11 رمضان 1428 هـ 23 سبتمبر 2007م كان الدولار الأمريكي يلهث منبطحا كالكلب؛ إن تحمل يلهث وإن تتركه يلهث؟ فقد قفز الدولار الكندي من 260 هللة إلى 380 هللة، وأما اليورو فقد حلق مثل النسر فوق الذرى من 370 هللة إلى 550 هللة؟
وهو يذكرني بقصة مريض تعيس منكوب مدنف مثل مريض السرطان، ففي يوم كان مقابل المارك الألماني أيام ريجان 360 بفنك (البفنك وحدة المارك سابقا مثل الهللة من الريال السعودي)، ليسقط كما تنبأ له الاقتصادي السعودي الرائع بأشد من منجمي دلفي؛ أنه ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع؟
لقد سقط بأشد من سقوط الطيور على ظهر الكوكب (جليسه 581 سي) كما تصور العلماء عن الكوكب الجديد المكتشف والذي يشابه الأرض على بعد 20,5 سنة ضوئية؟؟ فتسقط الطيور مثل قذائف المدفعية؟
والآن يلهث الدولار ويضبح؛ فقد بلغ في خريف 2007 بعد كارثة الحرامية الرأسماليين في سوق العقارات دولار أمريكي مقابل دولار كندي بل أقل، فنحن علينا أن نشتري؛ مثلنا مثل كل المنكوبين المهاجرين الذين فقدوا أوطانهم ففروا من ديار البعث إلى يوم البعث، وأخذوا أولادهم مثل القطط من الأعناق إلى بلاد الواق واق، علينا أن نشتري الدولار الكندي مقابل الأمريكي ليس الواحد بـ 160 سنتا بل الأمريكي بـ 99 سنت من الكندي فتبارك الله أعظم المنتقمين؟؟
فلما أسفونا انتقمنا منهم فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين؟ هكذا قال الله عن فراعنة التاريخ..
حقا إنه أمر عجيب أن تكون أقوى الأمم عسكريا أضعفها اقتصاديا، ولكن هذا أول الغيث..
و(باول كيندي) المؤرخ الأمريكي يتنبأ لأمته بالأسوء، وهو يتوقع انهيارا تدريجيا سيبدا من الدم الاقتصادي، فيتصفى دمها، لتصبح شاحبة بائسة مثل مرضى الانيميا (فقر الدم).
يقول (كيندي)؛ وكله تحت قانون (فرط التمدد)، وهو مرض يصيب كل القوى العظمى التي تترهل قبل السقوط.
وفي الإنجيل قبل السقوط الكبرياء.
وفي القرآن سيصرف المستكبرين عن طريق الرشد، ليتخذوا سبيل الغي سبيلا..
وأول مظاهر الانهيار هو الاقتصاد، فتصبح أمريكا تعيش فوق إمكانياتها، مثل موظف راتبه 3000 ريالا ويعيش حياة البذخ بـثلاثين ألف ريال، وهو ماتفعله أمريكا من شرب البترول بأقداح دهاقا عظيمة أكبر من أقداح البيرة، فهو لها شرب من حميم، وشرب الهيم من النفط الزفتي الذي تشن له الحروب وتحاك حوله المؤامرات، ويندلق في أمعائها ربع البترول العالمي..
وكل النصائح اليوم تقول: إنه اقتصاد كسيح ودولار مريض مثل المجذوم ففر منه فرارك من الأسد..
ومن أعجب ما سمعت من (مور) الأمريكي السمين أن 900 مليار دولار من أموال الخليج هي العمود الفقري لأمريكا، فإذا سحبت استلت روح أمريكا.
وفي يوم نشرت مجلة الشبيجل الألمانية تحقيقا عن ثروة (الوليد بن طلال) أنها تجاوزت 11 مليار دولار، وقالت يومها لم يعد العرب مغفلون؟ واستعرضت قائمة استثماراته فرأيت الكثير منها في بنوك غربية..
و أسمع أحيانا عن حركة استقطاب لحاملي جائزة نوبل ليساهموا في النهضة العربية؟؟ وهو عنوان مغري ولكن تحته مصيبة؟ لأن هؤلاء نباتات مناسبة لتربة مناسبة.
وأتصورهم في نظارت جيورجو أرماني، وكرافتة أمريكية، وسيارة مرسيدس، وراتب نصف مليون ريال شهريا، وأفخم فيلا على وجه الثرى، لينظر أحدهم تحت أرنبة أنفه بقرف، ويلقي محاضرات على نمط كلينتون بـ 225 ألف يورو على الساعة أشبه بالسحرة؟ كما ذكرت مجلة الشبيجل؟ لينصرف بعد أن يملأ الجيب؛ ويشتم العرب أن رائحتهم قذرة ومتخلفون وفاسدون وأغبياء؟؟
وزويل مثلا الذي وصل للفيمتو ثانية في تفتيت وحدة الزمن، لو كان في مصر؛ لكان يبيع الفلافل في باب زويلة، أو منظف بمكنسة في الأزهر، ولم يلمع يعقوب ملك القلوب لو لم توضع تحت أقدامه تربة مخيفة من الإمكانيات.
وأنا لو بقيت في القامشلي وحلكو وهيمو؛ ولم أغادر لبلاد الألمان، لما أصبحت جراح أوعية دموية، ولرسى مصيري على موظف في البريد براتب 160 ليرة، كما كانت طموحات والدي في أشدها بعدا ومضاء..
وحاليا يعيش العرب حالة عجيبة من الغنى ـ الفقر؟؟ فأموالهم ليست لهم، وإذا زادت وتدفقت عائدات النفط وأصبح سعر البرميل من البترول 90 دولارا؛ فيجب أن ترجع الأموال في دورة مجنونة من التسلح، وصفقة بسيطة من لعب الطائرات وخردة الخرطوش والدبابات تصل لعشرات المليارات؟
وفي التراث العربي أن غلاما كان له وصي؛ فكان يأتي في نهاية كل عام فيذكر للغلام أمواله، وفي النهاية يقول له ممتحنا إياه هل بلغ الرشد أم لا؟ حتى يرى إن كان بالإمكان رد ماله له ليتصرف به؟ فكان يقول له يابني صرفنا هذا العام كذا من المال في ثمن شراء نعال للجمال؟؟
حتى جاء عام فوقف الغلام وقال: ياعماه إنني أعرف أن الجمال لايوضع لها نعال؟؟
قال رشدت يابني وهذه أموالك أرجعها لك فقد كان امتحانا لرشدك..
وستبقى أموالنا ليست لنا حتى نرشد؟؟ وفي القرآن أن السفهاء يحجر عليهم ولا تدفع لهم أموالهم لها إسرافا وبدارا حتى يكبروا ويرشدوا..