أعودُ للكتابةِ رغمَ أنّكَ لمْ ترسلْ لي بجوابٍ شافيٍ ، وإن كانَ عبرَ أحلامنا المشتركةِ ببناءِ بيتٍ صغيرٍ وأسرةٍ أصغرَ ، بكميّةٍ كبيرةٍ من المشاعر ،
أعودُ حاملاً المزيدَ من الشكوى لرجلٍ من امرأة ، فمَا أسعَدَها وَمَا أتعَسَني ،
ولعلّ رسالتي تلكَ ، قدْ فهمتَ فيها المغزى فأنتَ في القربِ أحرى أنْ تَفهمني وَفي البُعدِ أولى أنْ لا يصيبني مِنكَ إجحَاف ،
يا عالماً كُنتَ بحالي وجاهلاً بمآلي ،
عِندَ أوّلِ نقطةٍ للتعثرِ سَقطَ ما بيدي من حبٍّ وما في جيوبي من مشاعرَ تحتَ قدَمَيّ أو قدمَيْـها ، لا يهمْ ،
لا يهمّ أبداً ، فهيَ حينَ وجَدَتْهَا ضَيّعَتْني ، وَأنا قدْ ضعتُ فيني فلمْ أجِدْها ،فهَزَمتني فيها وخسِرتُني مِنْها ،
وللألمِ حِكاية ، سأحكيها من النهاية ، مروراً بالبداية ،
وكانَ فيما مَرَرتُ بهِ في دِمَشق عاصمةُ الحبّ ، أنَ الناسَ هناكَ كالجرادِ لكثرةِ دويّهم وكالعصافيرِ لصُبحِهِمْ ، وكنتُ أرقبها ،
في دخّانِ سَجَائري ، في أصابعي ، في حزمةِ الشّرايينِ الواضحةِ من يدي للعيانِ ! وكنتُ أعـَانـي ،
فولِدتْ قصيدةٌ وماتَ قصدٌ ، وأنا بينهما اليتيمْ ،
ثمّ في الوجودِ صِحتُها يا وجودي ، إنّي سئمتُ وَحدَتي فمتى تعودي ،
وفي الغربةِ عِشْتُها وَطناً ضيّعتُهُ كسَاعَتي التي اقتنيتُ وَقتها وَبِعتُ مِنهَا كُلّ زمنٍ قبلَها ، لأنّ مَنْ عَاشهُ ليْسَ أنا ،
ثمّ اشتريتُ تذكرتينِ لسَفرةٍ وَاحِدةٍ لي ، ولي ،
وَشربتُ قهوَتي مَعي ، وَسَامَرتُني ، حتّى مَلَلْتُني ، فَخَرجتُ وَحدي ،
وقدْ أخبرتُ صديقنا اليومَ أنني لا أريدُ ني هكذا ،وأنّي أجبرني على النومِ ، وأظلمُ ني ،وأحياناً أكرهني ،ولا أحدَ أصبحتُ أفهمهُ أو يفهمني ، وأنّي في القريبِ سأعودُ كباقي النِيامِ ، وربّما كالنعامِ ،
فقدْ أحِلّتْ ولاية البهائم على النساءِ هنا ، والرجالُ مدحورونَ ومذمومونَ جداً ، وأنتَ ما زلتَ طاهراً لا تدري ،
وكنتُ حينَ أعودُ أتركها فتسبقني وأحزمُ أمتعتي فتحزمني ،
وأركب سيّارةَ الأجرةِ فتدفعُ عنّي ، وتختمُ جوازَ سفري ، وأودعها فتسافر قبلي نحوي ،
وأعودُ فأجدُهَا عند أعتاب المدينة ، تجلسُ في كلِّ الزوايا لتستقبل وجعي وآهاتي القديمةِ ،
فأكتبها وأكتبُ لها وأنشدها ومَمْلوءٌ أنا بها وهيَ الخاوية منّي ، ولستَ بالحالِ تدري ،
ثمّ انتهى الطريقُ بي وحدي وانتهيتُ ضائعاً منّي ، والله وحدهُ يدري كم من جوىً أكنّهُ ، وأضمّهُ ، دونَ معنى ، سائرٌ في الكونِ عَابِسٌ وَاهِنٌ أعجَفٌ ناحل ،
وهيَ مثلكَ لا تدري .
الإهداء
إلى رجلٍ كنتُ قد قرأتُ اسمهُ على تلك الورقة .