المسألة السادسة
حين ننتقد نظرية معيّنة ، في مجال معرفي معيّن ، لا بدّ قبل كل شيء من مراعاة الأمانة العلمية ، عند نقل أقوال أصحابها .
أما أن ننقل كلامهم على غير حقيقته ، فهذا تصرّف لا يخلو من أحد احتمالين :
* إما أن يكون غير متعمّد ؛ فنكون قد انتقدنا النظرية المذكورة عن جهل بحقيقتها ، والإنسان بطبعه عدوّ ما يجهل .
* وإما أن يكون متعمّدا ؛ فنكون قد سلكنا طريقة غير شريفة لإقناع غيرنا بفساد النظرية المذكورة .
فهل نقل كاتب النصّ بأمانة قول العلماء السابقين ، في مسألة ترقيق لام اسم الجلالة ؟
بالعكس . فقد قوَّلهم ما لم يقولوا . فأوهم القراء أن مذهبهم متناقض ، وأنهم يفخمون لام اسم الجلالة في حالة الرفع والنصب وبعض حالات الجرّ ، ويرققونها في بعض حالات الجرّ .
وهذا واضح في قوله :
(وسيلاحظ أنه ـ حسبما تعود ـ ينطق لفظ الجلالة باللام الثقيلة الأصلية فى حالة الرفع والنصب وبعض حالات الجر والكسر . ولكن فى حالات أخرى من الجر والكسر ينطق لفظ الجلالة باللام الخفيفة العربية) .
أولا : ليت شِعْري ، ما الفرق هنا بين (الجرّ) و(الكسر) !
المفروض أن مصطلحات (الرفع) و(النصب) و(الجرّ) و(الجزم) تستعمل عند الحديث عن الكلمات المُعْرَبة ، ومصطلحات (الضم) و(الفتح) و(الكسر) و(السكون) تستعمل عند الحديث عن الكلمات المبنية .
والأمر هنا يتعلّق بالاسم نفسه ، وهو اسم الجلالة ، فكيف يصح الحديث هنا عن (الجرّ) و(الكسر) في الوقت نفسه ؟! أمن المعقول أن يكون الاسم نفسه (مُعْربا) بالجرّ حينا ، و(مبنيا) على الكسر حينا آخر ؟!
الصواب إذن : استعمال مصطلح (الجرّ) فقط . ولا مجال هنا لاستعمال مصطلح (الكسر) .
ثانيا : العلماء لم يربطوا أصلا بين ترقيق اللام وتفخيمها ، وبين حركة الهاء من اسم الجلالة . وإنما قالوا : إنها تفخّم بعد الفتحة والضمة ، وتُرقق بعد الكسرة :
* فترقيقهم للاّم في (بسم الله) ليس بسبب كسرة الهاء ، بل بسبب كسرة الميم في (بسمِ) .
* وترقيقهم للاّم في (الحمد لله) ليس بسبب كسرة الهاء ، بل بسبب كسرة لام الجرّ الداخلة على اسم الجلالة .
* وتفخيمهم للام في (وَتَشْتَكِي إلى اللَّهِ) لا يناقض مذهبهم ؛ فالتفخيم هنا بسبب فتحة اللام في (إلى) ، ولا عبرة بالألف التي بعدها لأنها لا تُلفظ (بسبب التقلاء الساكنين).
راجعوا أقوال العلماء القدامى جيّدا .
لم يقل أي واحد منهم : إن نطق اللام تابع لحُكم اسم الجلالة نفسه ، من حيث الرفع والنصب والجرّ . وإنما قالوا :
* إنها تفخّم إذا سبقتها ضمّة ؛ بصرف النظر عن كون اسم الجلالة نفسه مرفوعا نحو : (وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) ، أو منصوبا نحو : (إِنِّي أَخَافُ اللهَ) ، أو مجرورا نحو : (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ) .
* وتُفخّم أيضا إذا سبقتها فتحة ؛ بصرف النظر عن كون اسم الجلالة نفسه مرفوعا نحو : (قًلْ هَُوَ اللهُ أَحَدٌ) ، أو منصوبا نحو : (إِنَّ الله مَعَنَا) ، أو مجرورا نحو : (قَالَ مَعَاذ اللهِ) .
* وترقق إذا سبقتها كسرة ؛ بصرف النظر عن كون اسم الجلالة نفسه مرفوعا نحو : (قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ) ، أو منصوبا نحو : (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) ، أو مجرورا نحو : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمّنِ الرَّحِيمِ) .
إذن ، حركة (الهاء) لا صلة لها بالمسألة إطلاقا . فلماذا الإصرار على إقحامها في الموضوع ؟!