و ذهبت تلك الأيام
و ذهبت تلك الأيام .......
و كذا قدر كل جميل .......
كانت الأيام التي وصلتني بالحياة حق الصلة ، مضت ...... لكنها ما تزال في الذاكرة .
كنت في بدايات المراهقة ، و شاء ربي أن أدخل عالم الحياة من بوابة مسحورة وقت الغروب ، و يكون شركائي فيها أشخاصاً دخلوها فجأة ...... ثم غابوا عنها كما دخلوها .
إلى ذلك الحين لم يكن لي من الدنيا سوى وسط صغير ، لكني وجدت نفسي في ساحة جديدة تعصف بها رياح السعادة و التجدد و التغير ، و تجيش بها العواطف حتى يهتز لها الجسد اهتزازاً ، فكان كل ذلك بداية ما أنا عليه اليوم .
في سن المراهقة ...... ذلك السن الذي يتأرجح فيه الإنسان بين عالمين ..... كمن يعبر جسراً طويلاً يصل جبلين في عالم أسطوري ، و تحته نهر من الجماجم و الدماء و الآلام ، بدأت حياة غريبة نهض بها فيّ السرور و الشاعرية ، و فاضت حمى العواطف فغمرتني ، و إن قلت إنني ما زلت إلى اليوم أرتوي من معين تلك اللحظات ، و إنني لم أكن أديباً يوماً كما كنت حينها ، فما أكون كاذباً .
عرفت طائفة من الناس ، و كانت معرفة أهلي بهم قديمة لم أدركها ، لكنَّ العلاقة عادت جدولاً جارياً بحنان في ذلك الحين ، و بهم دخلت عالماً أزلياً من بوابة خلود صيفية ، و أشرق في داخلي يومئذ ملكوت غريب لست أدري إلى اليوم إلا أنه كان ملكوت ذاتي الذي أحسني شديد البعد عنه اليوم ، بعدما غاب أولئك الأشخاص ، و غابت معهم نفسي ، و نضب نبع الشعور النضاح ، و لم يبق لي بهم رابط سوى قيثارة الذكريات المنشدة رنة السماء .
و كلما ساقني إلى ذلك العالم صوت أو ذكرى ، تردد في أذنيَّ صوت ألف ناي من فوق السحاب ، فأنعش الحياة في جنبات روحي التي قتلها التعب .
أين أنت يا تلك الأماكن ...... يا تلك الذكريات ....... أكلكم غبتم و تركتموني وحيداً ...... أكلكم هجرتموني و ضيعتموني ...... أكلكم ؟؟
آه يا عمري ..... ليت الزمان يعود ..... أيعود ؟؟
أجبني أيها الغروب ..... أجيبيني يا جنبات الأماكن التي قضيت بها أكثر الأيام سعادة و شاعرية ...... أجيبيني يا روحي المتعبة ........ أجيبيني يا أشباح من كانوا و غابوا .........
أستجيبونني ؟؟؟ ...... أم تدعونني وحدي أنادي على ليلاي الضائعة بلا مجيب .
وداعاً .....................
وداعاً أيتها الأيام الغاربة ....
يا قمة الجمال ....
يا روعة الجمال ...
و يا منتهى الجمال ...