جرى خلاف كبير بين المفكرين حول الاخلاق أهي صفة للفرد؟ وهل هي فطرية ؟ ام انها مكتسبة ؟ ام هي صفة للجماعة وما بينهم من علاقات ؟ وقد استدل كل فريق بأدلته , فأفاض بالشرح والبيان معززا ما ذهب اليه .
فقال بعضهم " ان الله سبحانه وصف نبيه بأنه على خلق عظيم , وان النبي قال " انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق – فذهبوا برأيهم الى ان صلاح المجتمعات بصلاح أفرادها , ورد آخرون بأن ذلك لم يخرج الخلق عن صفته الفردية وقالوا بان صلاح الفرد بصلاح مقوماته الفردية وهي العقيدة والعبادة والاخلاق والمعاملة .. اما صلاح الجماعة , أي المجتمع فهي بصلاح مقوماته وهي العرف العام والنظام الذي ينظم علاقات الناس ... وشتان بين النظرتين .
\\\قال الله تعالى"ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون"وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال :"ان الله يحب معالي الاخلاق ويكره سفاسفها"وعنه صلى الله عليه وسلم انه قال"انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق"هذه النصوص تدل على ان الاخلاق من احكام الاسلام فالاية دلت على احكام معينة من الاخلاق وهي ان الله امر بالعدل والاحسان وصلة الارحام ونهي عن المحرمات والمنكرات والعدوان على الناس . والاحاديث دلت على الاخلاق بوجه عام . والخلق هو الصفة التي تصبح للانسان حتى تكون سجية له وعادة قال تعالى"ان هذا الا خلق الاولين"اي سجية الاولين وعاداتهم . وهذه الصفة ان كانت حسنة فهي خلق حسن وان كانت سيئة فهي خلق سيئ . ويطلق الخلق ويراد به الدين قال تعالى مخاطبا الرسول صلى الله عليه وسلم"وانك لعلى خلق عظيم"اي على دين عظيم . لان سياق الاية يعين انه الدين اذ هي"ن والقلم وما يسطرون، ما انت بنعمة ربك بمجنون، وان لك لاجرا غير ممنون، وانك لعلى خلق عظيم، فستبصر ويبصرون بايكم المفتون .ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين"فالبحث هو انهم قالوا انه مجنون عن الرسالة التي جاء بها فالموضوع هو الدين الذي جاء به وليست صفاته فانهم يعلمون قبل بعثه انه احسنهم صفات ولذلك كان معنى الخلق في الاية الدين جاء في تفسير الجلالين"وانك لعلى خلق"دين"عظيم"والاخلاق مع كون الاحاديث جاءت تحث على الحسن منها بشكل عام وتنهى عن السيء منها بشكل عام ولكن النصوص الشرعية من الكتاب والسنة حين جاءت بالاحكام الشرعية التي تعتبر من الاخلاق كالعدل والاحسان وكالصدق وكالعفة والوفاء وغير ذلك لم تأت بها على انها اخلاق فقط ولا قالت عنها انها اخلاق فقط لا صراحة ولا دلالة ولا اشارة وان كانت هي صفات حسنة اي اخلاقا وانما جاءت بها احكاما شرعية . واعتبرت من الاخلاق . فحين ينظر اليها في التعليم والعمل يجب ان ينظر اليها بانها احكام شرعية يكون المتصف بها ذا خلق حسن ان كانت مما امر الله به وذا خلق سيء ان كانت مما نهى الله عنه ولا يجوز ان ينظر اليها على انها صفات خلقية فحسب . لان المسلم مخاطب بالاحكام الشرعية ولو كانت هذه الاحكام اخلاقا وليس هو مخاطبا بالصفات فقط بوصفها اخلاقا فحسب ولان كونها حسنة او سيئة مرتبط بالشرع اي بالنص الشرعي الذي جاء بها وليس في نفس الصفة . والله تعالى امر بالصدق ونهى عن الكذب باعتباره حكما شرعيا يجب التقيد به لاباعتباره صفة حسنة يجب الاتصاف بها، اي لا باعتباره خلقا فقط . وامر بالرحمة باعتبارها حكما شرعيا لا باعتبارها صفة حسنة فحسب اي لا باعتبارها خلقا فقط . بدليل انه اجاز الكذب في الحرب حكما شرعيا، وبدليل انه امر بالشدة مع الكفار"اشداء على الكفار"ونهى عن الرحمة في عقاب الزاني"ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله"فلو كان الامر بالصدق والنهي عن الكذب والامر بالرحمة امرا بالصفات فقط اي امرا بالاخلاق فقط لما جاز الكذب بحال من الاحوال ولما جازت الشدة واقره بحال من الاحوال لان الصفة لم تتغير ولكنه لما كان حكما شرعيا لفعل معين فانه يتعلق بالفعل حسب نص الشرع ولذلك كان الكذب في احوال حراما وفي احوال اخرى مباحا وكانت الرحمة في احوال مأمورا بها وفي احوال اخرى منهيا عنها ولهذا لا يجوز ان تجعل الاحكام الشرعية اخلاقا فقط ويؤمن بها كأخلاق فقط بل يجب ان تبقى احكاما شرعية كما وردت ونؤمن بها كاحكام شرعية باعتبارها اخلاقا، لا كاخلاق فقط . واذا امر بها كاخلاق فقط لا كاحكام شرعية فانه لا يكون امرا بالشرع بل امرا بالاخلاق فقط ولا فرق في ذلك بين الاحكام الشرعية المتعلقة بالسلوك الشخصي كالعفة او المتعلقة بالسلوك مع الغير كالوفاء فكلها يجب ان يؤمر بها كاحكام شرعية ولا يصح ان يؤمر بها كاخلاق فقط اي كصفات حسنة فحسب .وكذلك ينهى عنها كاحكام شرعية لا كاخلاق سيئة فحسب . حتى ان المسلم اذا صدق باعتبار الصدق صفة حسنة فحسب لا كحكم شرعي لا يثاب على صدقه لانه لم يعمل بحكم الله وانما عمل بما يراه صفة حسنة بخلاف ما لو صدق لان الله امر بالصدق اي باعتبار الصدق حكما شرعيا فان يثاب على تقيده بالحكم الشرعي . وليحذر المسلمون كل الحذر من القيام باعمالهم على اعتبار انها اخلاق فقط او من الدعوة الى مكارم الصفات باعتباره اخلاقا فقط فانهم ان فعلوا ذلك لا يكونون قد عملوا بالحكم الشرعي او دعوا الى احكام الله . علاوة على ان ذلك يجعل عملهم وعمل الكفار واحدا ويجعل دعوتهم ودعوة الكفار دعوة واحدة . فالكفار يمجدون الخلق الحسن لانه صفة حسنة ويدعون للخلق الحسن لانه صفة حسنة وهم يقومون بذلك رجاء السمعة الحسنة او لما في هذا من نفع لا لان الله امرهم به واما المسلم فلا يحل له ان يفعل ذلك بل يجب ان يتصف بمكارم الاخلاق لان الله امر بها اي باعتبارها احكاما شرعية ليس غير ولا يجوز له غير ذلك لان الاخلاق في الاسلام احكام شرعية لا صفات اخلاقية فحسب .////
فالامة تجمعها العقيدة التي تعتقدها , والدولة تحدد شكلها أنظمتها التي تطبقها , والعقيدة الاسلامية تجعل المسلم يتصف بالصفات الخلقية لا لكونها صفات حميدة بل لانها أحكام شرعية مأمور بها .وتجعل المجتمع يطبق انظمة الاسلام لا لانها تحقق الرخاء والتقدم ولكن لانها ايضا أحكام شرعية مأمور بها .