لمحتهم العدالة وهو يتسللون في الخفاء، فلحِقت بهم ،ورأتهم وهم في حنقٍ شديد يضرمون ناراً عظيمة، وقد اتفقوا على أن يحرقوا فيها أقلامهم ،تلك التي لم ينصت إلى صريرها من كتبوا لهم بها، ولم يلقوا لنزف حبرها بالاً
وفي انتظار اللحظه الحاسمة كانت الاقلام ترتجف رعباً و تتخبط استهجاناً وغدا نزفُ أحبارها طلاسماً لاتعبر عن معنى واضح
عندها وقفت العدالة مستغربةً من حالها ومصيرها وكيف لايعنيهم شأنُها، فاستنهظت الاقلام قائلة:-
أليس منكم قلمٌ لناطقٍ مفوّه يستعيد اليوم من ذاكرته مفردات قادربها أن يخفف من وطأة هذا المصير على قلبي، لماذ ا تحرقون ؟! وماهي جريرتكم لتستحيلون رماداً؟!!
فاسترعت بلهجتها الصارمة والحزينة تلك انتباه جميع الاقلام
فقام قلمٌ بائسٌ مرتجفٌ من بينهم راداً عليها
أنا ياعزيزتي لا أظنُ أنني أستطيع أن أكون مفوَّها إذ أنَّ خدمتي لم تكن إلا بيد محاسب في إحدى الدوائرالحكومية ولقد كان عديم الذمّه، استغلني في تزوير كثيرٍ من الأرقام لمصلحة أطماعهِ المادية، فلا مشكلة لديه إن تحولت الخمسةُ إلى خمسين والعشرةُ إلى مائةٍ أو تسعةٌ وتسعين،
ولكنَّ حبري في آخر مرة خذله فكُشفَ تحايله وتزويره فاصبح يمطرني باللعنات وكاد أن يحطمني بقبضته القاسية، فهل تتوقعين في ذاكرتي مايفيد حالنا هذه، وأخذ يلف حول نفسه كمن به مسٌ من جنون
فأطرقت العدالةُ معبرةً عن الاحساس بالاسى نحوه، ثم التفت إلى قلمٍ جميل مذهّبٌ ،
فقالت :-
ما أجملك أيهاالقلم، ما اظن إلا أنك كنت عند شخص مرموق وذو مكانة عاليه،
فردّ عليها
ويحي إذا كان الجحيمُ جزائي)
ماذا يحلُ ببهجتي وبهائي)
أنا يا عزيزتي كما ترين حالي ينم ليس عن مكانة صاحبي المرموقه ، فكثيراً ما تنخدعُ العينُ بالمظاهر،
صاحبي ياسيدتي من عشّاق المظاهر، متحايلٌ في سبيل أن ينالها بأية طريقه ،حتى وصلت به الحال للحصول عليها أن يعمد إلى استغلالي في توقيع أوراق سحب رصيد بدون رصيد
وفي لمحة العينِ صار مكانه خلف قضبان الحديد
فرمى بيّ هنا قائلاً لو لم تكن أنت، ماخطت يميني ما خطت
فهل ترين في عقلي ماأركنُ إليه ليخلصني من هذا المصير
فهزت العدالةُ رأسها مشيرة بأن لا، ونظرت إلى قلم هو الأكثر جاذبية بين أقرانه
قالت :-وأنت ماذا لديك لتقوله يبرر صمتك ؟!!
فأجابها
لاتعجبي ياسيدتي من وقفة الزهو التي ترينها في هيئتي ، فأنا قلم صحفي يعرف كيف يفرد قامته، ويزين كلماته بمعاني جذابة تسترعي اهتمام القارئ
فلايكاد يمر به أمر إلا سجلَّه وحسّنه وغّير مالا يُغَّير
وأضاف مالا يُضاف
فاستنكر الناس على صاحبي زيف عبارته مع جمال رونقها
وحذفوه من قائمة الصدق التي كان في أول حياتي معه يمنيني بها
فرماني بعدما رمته مهنته بعيداً وتبرأت منه،
أأنا الملوم أم صاحبي؟!!00 وعاد الى صمته
والتفتت العدالة إلى من يجاوره وهو يحاول الاختباء منكمشاً على نفسه والرعب يقطر من محيَّاه ،فسألتهُ :-
وأنت أليس لديك ما تقولهُ؟!!
وقف القلم متلعثما لايدري هل يجر كلامه أم يرفعه
وقال:-
سيدتي، أنا كنت بين أصابع طالب مهمل، سطور كلماته على صفحة الامتحان تصيبني بالغثيان ،ولا تعدوا الا أن تكونَ هواجس وتخاريف يدور منها رأس المصحح ،وعندما حانت النتيجه و أمسك والده بشهادته المخجله صب اللوم على رأسي وقال لي بأنني لا أجلب له حظاً، فرماني هنا
أأنا الملوم أم عقله؟!1 فيا ضياع عمري و حبر قلبي معه،
فتنهدت العدالةُ مستهجنةً ساخطة وقالت ما أفظع الانسان ويالسواد قلبه وسوء فعلهِ
هنا وقف قلم تبدو عليه عزةٌ ووقار فقال:-
هل تسمح لي العدالة أن يجيش فؤادي بما يعتملُ فيهِ ويدافع عن صاحبي
فأثار قوله تمتمات بين صحبه المدهوش وقال له قلم الصحفي أتدافع عن من يريد إحراقك بالنار؟!! وادار وجهه وأشار أن عقله قد طار
فتنهد القلمُ وقال:-
أنا مذ عرفتُ صاحبي أ حببتهُ
يا حلو منطقهِ وحسنَ سؤالهِ
ماكان إلا صادقاً في حرفِهِ
والحبر فاض بحسنهِ وجماله
فإذا نهارٌ مظلمٌ في صبحهِ
خطف الممات سعادتي بحباله
ورأيت من ألفَ الفؤاد محبةً
تحت الثرى- ياحرقةً- بمآلهِ
فاتيتُ محرقةً وقلبي يرتجي
أحظى هناك بمائه وظِلالهِ
فبكى الجميع وهم يرون دموع عين صاحبهم حبراً أبيض بعد أن سقط ميتاً،وقتها حملتهُ العدالة وأسكنته قلبها تقديراً لعظيم محبته ووفائه لصاحبه الذي رعاه حق رعايته.
********************