بسم الله الرحمن الرحيمللحزن أكثر من عنوان عبدالغني خلف اللهقرية ( الدرادر ) ..قرية تقع علي ضفاف النيل الأبيض بالجانب الشرقي وتقطنها مجموعة صغيرة من السكان تنتمي إلي قبيلة الحسانية إحدي القبائل العربية التي هاجرت للسودان من قديم الزمان تعمل بالرعي والزراعة .. هذه القرية كانت قبل خمسة أيام علي موعد مع الحزن والألم والدموع ..وهي التي كانت بصدد الإحتفال بمولود جديد انضم لركب القبيلة .. فقد وضعت سيدة من القرية طفلها الأول بعد زيجة امتدت لخمسة عشرة سنة ..وذلك بمستشفي القابلات بالخرطوم ..استأجرت بعض الأسر حافلة لتقلهم من (الدرادر) إلي أم درمان حيث توجد المستشفي ..وكان عددهم سبعة وثلاثين فرداً .. عشرون امرأة وأربعة أطفال وعشرة رجال ..وصلوا المستشفي بعد قطع المسافة التي تقدر بحوالي تسعين كيلومتراً وأمضوا سحابة يومهم وهم يتأملون المولود الجديد القادم بعد طول انتظار وكعادة أهل الريف في بلداننا العربية أحضروا معهم الكثير من الطعام والهدايا ابتهاجاً بهذه المناسبة الاستثنائية ..وقبيل الظهربقليل استقلوا حافلتهم وقفلوا راجعين جنوباً ولدي نقطة تبعد حوالي أربعين كيلومتراً يطلقون عليها ( القطينة) ..واجه الحافلة بص سفري قادم من الاتجاه المعاكس في طريقه للخرطوم ..قام سائق البص المتهور بتخطي جرار صغير بصورة خاطئة لم يراعي فيها اساسيات التخطي الصحيح وهي كما نعلم تقدير الزمن وتقدير المسافة وتقدير السرعة التي تسير بها العربة من الجهة الأخري ليصطدم بالحافلة فتنقلب راساً علي قلب وتشب فيها النيران وكانت النتيجة أن تحولت الحافلة إلي كتلة من الحديد وقضي كل من كان بداخلها نحبهم احتراقاً.. وكان لافتاً للإنتباه منظر الأمهات الأربعة وقد احتضنت كل واحدة منهن صغيرها ليموتا معا ًبل ليحترقا لدرجة التفحم .. وهكذا هي الأمومة الصادقة تظل متيقظة في أحلك وأدق الظروف ويا لها من ظروف ..لكأنها تلك التي عاشها أصحاب الأخدود الذين حدثنا عنهم القرآن الكريم ..إذن سبعة وثلاثون ضحية لهذا الحادث المشئوم من أهل قرية الدرادر وسبعة قتلي وستة وعشرون جريحاً من ركاب الباص السفري ..بعضهم في حالة حرجة .. هرع المسئولون وقيادات الشرطة وذوي الضحايا لمكان الحادث وقامت شرطة المعامل الجنائية بمساعدة ذوي الضحايا في التعرف علي جثث أحبائهم ..لكن وكأن البعض لم يكن راضياً بقضاء الله وقدره لا سمح الله وقد قدر الله وما شاء فعل سبحانه ..ويوم أمس تحرك مركب شراعي من الجانب الغربي للنيل الأبيض وعلي متنه أربعةعشرة فرداً من النساء والرجال والأطفال لتقديم واجب العزاء في أهلهم وعشيرتهم .. وما أن توسط المركب الشراعي النهر حتي انقلب راساً علي عقب ليموت غرقاً كل الذين كانوا علي متنه ..واستمرت عملية انتشال الجثث حتي صباح اليوم .. فتم العثور علي جثث جميع الضحايا الأربعة عشر ..وليس ببعيد من النيل الأبيض حيث بعض البطون من قبيلة الحسانية الذين يقطنون علي ضفاف النيل الأزرق والذين هالهم ما لحق بأهلهم فيستغل سبعة منهم عربة نقل صغيرة انقلبت هي الأخري أـثناء الرحلة ..فقضي خمسة من ركابها نحبهم وجرح إثنان قبل أن يصلوا إلي وجهتهم تلك ..كل ذلك كان قدراً محتوماً من قبل المولي ولعله سبحانه تعالي أراد أن يذكرنا ونحن نركض يمنة ويسرة طلباً للجاه والمال ونحن نختلف ونتصارع علي كراسي الحكم والثروة والسلطة ..وليتنا نتذكر أن الحياة لا تستحق كل هذه الصراعات والحروب ..وكلنا إلي زوال بطريقة أو بأخري ويبقي وجه ربك و الجلال والإكرام ..أما المولود الجديد فكان الله في عونه عندما يكبر ويشب عن الطوق .