الطابور الخامس
يُحكى أنه في قديم الزمان و سالف العصر و الأوان , يحكى أنّ إلهاً مزعوماً لدى الفينيقيين
وُلد لأبوين إلهين مزعومين مثله , وكان في قصة ولادته جدلٌ كثير ..
و كان هذا الإله المزعوم فاتناً , و لكنه كان قصيراً بعض الشيء , و غبياً بعض الشيء ,
و تافهاً بعض الشيء , و منحرفاً بعض الشيء ,و نذلاً بعض الشيء , و مغامراً بكل شيء
و مقامراً بكل شيء , وكان مستعداً لبذل أي شيء في سبيل الوصول إلى غايته .
أحبته إلهة مزعومة مثله تسمى عشتارَ , وهامت به , وكانت هذه الإلهة ذات نفوذ و سلطان ,
و قد تملقت إليه كثيراً لكي تشعرَه بحبها , و لكنه كان متردداً , فقد كانت أحلامه غير إقليمية , بل عالمية .
ومع أن عشتارَ هذه هي التي كانت تسلب الملوكَ ملكَهم , وحتى الرُّعيانَ غنمَهم ,
إلا أنها ضحّت بكل شيء من أجله , بسمعتها , بمالها , بملكها , بجمالها , بعمرها !
ومع أنها كان فيها من الغرور ما يُضرب به المثل , إلا أن غرور هذا الإله المزعوم كان أكبر و أعظم بكثير.
فقابَلَ حبَّها بصَلَفِه و كبريائه و عنجهيّـته , وما زالا على هذه الحال حتى ماتت حزناً و قهراً ,
و خصوصاً عندما تناقلت وكالات الأنباء العالمية في ذلك الوقت عن طريق الحمام الزاجل
خبرعلاقة سرية بينه و بين إلهة يونانية تسمى أفروديت .
طار الى اليونان , طمعاً في حب عالمي , وظن أن الإغريق سوف يحتضنونه و يعتقدون بألوهيته ,
و لكنهم خذلوه , فكثيراً ما كانوا ينتقصون منه و يعيرونه بنَسبِه الإلهي المشبوه
ومع أن أفروديت هذه , أحبته , و قدمت له كل شيء أيضاً , إلا أنها لم ترضِ غروره إرضاءً كاملاً
ومع أن سمعتها كانت عالمية , إلا أنها لم تنجح في جعل حبهما عالمياً .
تركها و غادر الى بلاد الأرز , و هناك تعرف الى صنم صغير , كان يحلم بأن يصير كبيراً
ليضمن له مكاناً في ذاكرة التاريخ ....
فكان له ما أراد .
حيث زرَعه هذا الإلهُ أرزةً طالت فيما بعدُ السحاب وما زالت تُعبد حتى اليوم .
و لكنها كانت أرزةً بلا جذور , و كان طلْعُها كأنه رؤوسُ الشياطين .
قرر الاثنان فيما بعد إنشاء "صالون حلاقة و تجميل و تشويه "
و أسمياه " صالون الأحد أو الاثنين او الثلاثاء او الاربعاء او الخميس أو الجمعة او السبت "
أو ما شابه , لم أعد أذكر...
في نهاية كل اسبوع , كانا يجتمعان مع ثلاثة من كبار مستشاريهم و مساعديهم , و مع المعجبين بقصص الألوهية
و كان يساندهم من بعيد عبدٌ فرعوني متفرنس يسمى عميد الفراعنة
فيتناولون جميعاً جسداً عربياً , و يحاولون تشكيل وجهه و هيئته من جديد
لاعتقاد الجميع بألوهية هذا الفينيقي المارق !!
مشارط , سكاكين , مخارز , إبر , مقصات
و لكن أيّاً من عملياتهم الاستنساخية لم يكن لينجح لسببين :
اعظمهما : أنه لا إله الا الله
و ثانيهما: اختيارهم لأجساد لا تقبل التغيير !
فكانت محاولاتهم دائماً تبوء بالفشل و يموت الجسد من ساعته .
وكان لابد فيما بعدُ من اتهامهم جميعاً بالقتل العمد مع سبق الاصرار و الترصد !!
فرّ بعد فشله الذريع الى بلاد العُري و الليل
الى بلاد الحرية المطلقة المتحللة من كل القيود و الحدود
وهناك.. كانت المفاجأة ..!!
تهيأ له حلُمُ حياته حقيقةً ..
العالمية !
أُعجبت به إلهةٌ مزعومة ذائعة الصيت عالمياً..
هذا ما كان يسعى إليه منذ نعومة مخالبه !!
الإلهة المزعومة " جائزة " !
بدأت تبعث إليه بالرسل و تعِدُه و تمنّـيه
بالحب و الزواج
وبالحصانة و الحماية و المساندة
بشرط أن يكمل دراسته في التجميل و التشويه !!!!
وأن يتخلى عن الادعاء بألوهيته و يصبح عبداً لها , و أن يتنكر لكل تاريخه , و أن يلعن تراثه , فقبِل .
كانت " جائزة " فائقة الجمال و ساحرة , و لكنها كانت تشبه شهريار ألف ليلة و ليلة من جهة
و تشبه عشتار من جهة أخرى...
شهريار كان يحب و يقتل امرأة في كل ليلة
ولكن " جائزة " كانت معقولة ..
فهي تهوى و تأسر رجلاً في كل عام لأغراض تتعلق بما فعله نبوخذ نصّر..
العرض معقول صراحة ...
أليس كذلك ؟
"جائزة " هي أكثر إنصافاً من شهريار بمئات المرات
معقولة هذه الساحرة
نعم
معقولة ..
و تشبه عشتارَ في أنها تحب أن تسلب الضحية كل شيء..
وهذه سلبته كلَّ شيء مقابل أن تعطيه لقباً عالمياً مكللاً بالديناميت !
وعدته بالزواج لسنة واحدة فقط ..!
أَكمَلَ هذا الإلهُ الفينيقيّ المزعوم دراسته , و حصل على شهادة كبيرة جداً في التشويه
وسجّل اسمه في سجلّ الطامعين بالزواج..
كان سجلّاً طويلاً من المحظيين يمتد من بلاد العِرق الأصفر الى بلاد الهنود الحمر
ووقف في " الطابور الخامس "
في انتظار دوره ..
وما زال ينتظر منذ ما يقرب من أربعين عاماً !!!!!
و نحن ما زلنا ننتظر ونترقب ما تؤول إليه أمور هذا الحب المعطر برائحة البارود !!!
محمد البياسي