|
عُوفِيتِ مَمَّا فِيكِ يَا مِصْرُ |
وَوُقِيتِ حَيْثُ دُرُوعُكِ الصَّبْرُ |
نُجِّيتِ مُرْغِمَةً عِدًى فَتَنُوا |
وَعَلِيكِ أُوْغِرَ مِنْهُمُ الصَّدْرُ |
بُلِّغْتِ مَجْدًا مُخْضِعًا أُمَمًا |
كُبْرَى وَكَان حَلِيفَكِ النَّصْرُ |
يَا إِرْثَ دَهْرٍ بَالِغٍ بِكِ مَا |
أَدْنَاهُ مَا لا يَبْلُغُ الدَّهْرُ |
شَرَفٌ وَأَخْلاقٌ وفَلْسَفَةٌ |
وَحَضَارَةٌ يَجْثُو لَهَا الفِكْرُ |
مَاذَا دَهَاكِ, دَهَاكِ مَا غُلِيَتْ |
مِنْهُ الصُّدُورُ زَفِيرُهَا الجَمْرُ |
وَصُهَارَةُ البُرْكَانِ إِنْ حُفِزَتْ |
ثَارَتْ وَذَابَ لِحَرِّهَا الصَّخْرُ |
يَكْفِي بِتِلْكَ الحَالِ دَاهِيةً |
مُسْتَيْسَرٌ مِنْ دُونِهَا العُسْرُ |
يَا مِصْرُ يَا أَرْضَ الكِنَانَةِ مَنْ |
قَاضٍ وَمِمَّنْ يُؤْخَذُ الوِتْرُ |
جَثَتِ الثَّلاثُونَ التِي حَكَمَتْ |
زَمَنًا لَسَطْوَتِهِ جَثَا القَسْرُ |
شَابَ الوَلِيدُ بِهَا عَلَى كَدَرٍ |
وَجَفَا الزَّمَانُ وَأَمْحَلَ العُمْرُ |
وَمَغَرَّبٍ نَادَاهُ كَفْرُكِ أَنْ |
عُدْ لِي فَضَمَّ الكَفْرُ(1)لا الكَفْرُ |
وَصَعِيدُكِ المَحْصُودُ حَاصِدُهُ |
مَغْنَى وَأَنْتِ بَحَصْدِهِ قَفْرُ |
يَشْجَى الأَسَى لَكِ وَالطِّوَى أَسَفًا |
وَكَذَا يَرِقُّ لَحَالِكِ الجَوْرُ |
يَا مِصْرُ يا دُنْيَا وَبَهْجَتَها |
يَا أُمَّهَا أَوَمَا لَاهَا بِرُّ! |
أَغْنَيْتِ مِنْ عَلْمٍ وَمَعْرِفَةٍ |
أُمَمًا فَكَيْفَ يُصِيبُكِ الفَقْرُ! |
كَمْ ذُقْتِ أَلْوَانَ الهَوَانِ وَكَمْ |
جُوِّعْتِ كَيْمَا يَجْشَأَ القَصْرُ |
وَكُبِتِّ فِي عَيْشٍ وَفِي خُلُقٍ |
وَحُشِرْتِ حَتَّى قَارَبَ الحَشْرُ |
لا َغَرْوَ إِنْ ضَجَّتْ بِقَاهِرَةٍ |
فِيكِ الأُبَاةُ فَإِنَّهُ القَهْرُ |
الذُّعْرُ فِيهِمْ كَانَ مِنْ سَرَبٍ |
وَالآنَ مِنْهُمْ فِي المَدَى الذُّعْرُ |
حَشَدُوا النُّفُوسَ إِليْهِ وَاعْتَصَمُوا |
رَايَاتُهُمْ "للشَّعْبِ يَا مِصْرُ" |
مَا أَقْبَلُوا إِلا وَقَدَ عَلِمُوا |
أَنَّ الحُقُوقَ ضَيَاعُهَا الدُّبْرُ |
كُلٌّ كَرِيمٌ فِيكِ مُحْتَسِبٌ |
حُرُّ فَلا زَيْدٌ وَلا عَمْرُو |
حَاشَا الذِي ابْنَ العَاصَ كَانَ فَلا |
حُكْمٌ كَذَاكَ يُرَى وَلا عَصْرُ |
أَرْضٌ بِهَا الخُلَفَاءُ مُعْشِبَةٌ |
وَسَمَاؤُهَا الأَنْوَارُ وَالقَطْرُ |
لَولا الحَيَاةُ وَأَنَّهَا دُوَلٌ |
مَا جَازَ عَهْدَ البِعْثَةِ(2)الدَّهْرُ |
حُيِّيتِ مِنْ عَرَبٍ إِلَى عَجَمٍ |
وَالعُجْمُ يَغْلِبُ طَبْعَهَا المَكْرُ |
لَمَعَانُهَا خَطْفٌ وَسُكَّرُهَا |
مُرٌّ وَبَاهِرُ صُنْعِهَا سِحْرُ |
سَادَتْ بِذُلِّ المُسْلِمِينَ فَمَا |
مِنْ عِزَّةٍ وَصَنِيعُهُ الكُفْرُ |
مَنْ ذَا يَذِلُّ لِمَنْ يَذِلُّ لَهُ |
إِنْ كَانَ ذَلَّ لِمَنْ لَهُ الأَمْرُ |
فَازْدَدْ وَقَدْ طَمَّ الأَسَى عَجَبًا |
أَنَّ الأَذِلَّةَ بَيْنَنَا كُثْرُ |
وَأْدُ الخِلافَةِ مُعْقِبٌ شَطَطًا |
قُطْرٌ يَضِيقُ وَيَنْطَوِي قُطْرُ |
وَيَدُ العِدَا فِي العُرْبِ عَامِلَةٌ |
مَا لا يُطِيقُ مَزِيجَهُ الصَّبْرُ |
عَاثَتْ فَرَنْسَا خِسَّةً قُبُلًا |
وَالإِنْجِليِزُ نَدِيدُهَا الحُمْرُ |
وَالآنَ أَمْرِيكَا وَرَبَّتُهَا |
وَالعُرْبُ أَشْتَاتٌ وَلا فَخْرُ |
هَذَا يَحِدُّ وَذَا يَعُدُّ وَذَا |
يَعَتَدُّ لا تُرْبٌ وَلا تِبْرُ |
إِنْ تَهْدِهِمْ لِهُدَاهُمُ نَفَرُوا |
وَإِذَا صَفَفْتَ إِلَى العِدَى فَرُّوا |
يَا مِصْرُ كَمْ جَرَّبْتِ مِنْ نُظُمٍ |
وَلَدَيْكِ عَنْ طَيَّاتِهِا الخُبْرُ |
فَعَلِيكِ حَقٌّ إِنْ حَكَمْتِ بِهِ |
نِلْتِ الفَخَارَ وَهَابَكِ الشَّرُّ |
وَأَضَفْتِ لِلأَمْجَادِ أَرْفَعَهَا |
شَرَفًا يَخِرُّ لِقَدْرِهِ القَدْرُ |
وَإِذَا حَكَمْتِ بَغَيْرِ ذاكَ فَكَمْ |
لُدِغَ العِبَادُ وَ نَفْسُهُ الجُحْرُ |