الوطن ليس مجرد أحرف ننتمي إليها
هو تربتنا الخصبة التي ننمو فيها, هو نسمةٌ هبت بنا إلى أعلى أمواج المُثل
هو القيم التي تسكن أعماقنا
وليس ثمة فوارق بيننا سوى تلك الفوارق الموجودة في علاقة التماهي التي تقضي بغياب الفوارق
.. ولكن حين تتوقف بنا تلك المساحة بين دفتي الأيام, بين مجدافي الأحداث لا نجد إلا شواطئ المحبة نرسو عليها
ونرسم على رملها زهور إخلاصنا التي غُرست فينا منذ أن سجلت الأيام ميلادنا على أحد وديانه.
هذا الكبير الذي يحتضن أحلامنا, وأقلامنا, وأوجاعنا, وآمالنا.. هذا الفضاء الواسع المستلقي على ضفاف جهودنا, ومبادئنا.
ومهما كانت الأطراف هو جسد واحد لها هو مرجع وحدتنا, وطنيتنا, هو همزة الوصل بين ثلاثية الإنتماء والتوحد.. العقل, القلب, الروح.
هو الذي يسكن أوردتنا يمر بها كل يوم كنحن نعبر أرجاءه بالمثل.. وبالحرية أيضاً.
لذلك هو جسد واحد هو وطن واحد هو في كل قلبٍ متوحد.
أنَّى لنا أن ندرك هذا القلب المتوحد فينا !
..
هذه الهوية المتجسدة بنا منذ نعومة أظافر الفطرة؛ الميدان الواسع الذي عشنا البراءة فيه مراتٍ ومرات, وما أن تيمم الصبح قرب نافذةٍ على جانبٍ منها شجرةُ صبارٍ ؛ لم تكن تلك إلا هيبة الصبر على ضفاف المدينة المتوجسة في ذاكرتنا من مطلع البحر حتى أقاصي الجبال.
ويظل الوطن هو لوحة فنان الانتماء, إيماناً, وحباً, وتُرباً, وتراثاً, وأبنائه وحدهم من يسطرون وفائهم فيه, ويضعون ألوان الحماسةِ, والفداءِ, والتضحيةِ, فيرسل الوطن من أعماق هذه اللوحة معنى الإخاء والمؤاثرة لأبنائه.
فأي مرآةٍ هذه التي تعكس أجمل معاني المحبة وتعبر من خلالنا لتصل بنا إلى شاطئ الإخلاص, ونعبر من خلالها نحو أفق الوحدة؛ المبدأ الأزلي في أماكن الصباح, والضياء, في خلاصة البقاء.
تلك هي آخر اللحظات, والكلمات, والشرفات التي يطل منها كاهل أعمارنا لعزف آخر نوتةٍ على القيثارة الأنسية لهذا الوطن.
عندها يكون للبوح طعم شريد اللذة, لندرك أهمية المعنى في هذا القلب المتوحد فينا..!
نشرت في العدد صفر من جريدة الساحة السياسية .