رسالة مهاجرة من والد حُرم من رؤية ابنته بسبب القوانين التعسفية التي تضعها بلداننا العربية:
أي بنية:
ها أنتِ تجاوَزتِ السَّادسَة من عمرِِ الوَردِ ، وما زلتِ يا ربيعَ العمرِ تجلسينَ على ضِفافِ نَهر بردى تُراسلين أباكِ المتعبِ من ألَم الغُربة تسألينه العودةِ لضَوء الفَجرِ الطاهرِ إلى أحضانكِ. تناجين الأب الذي ما زلت تَحملين حُروف يديْه بين أضلُعك وتهمسين لموج الأملَ بابتسامة بريئة تنتظرين جواباً منذ ولدتِ ، وكلُّ أسئلتكِ مشنوقة. إرادتك الوحيدة تكمن في أن تختاري أنسبَ الطرقَ لتنفيذ أوامرنا هو - لحسرتي - البعد والشقاء.
ترحلين بانكسارٍ مزروعٍ في أحشائكِ قبل ولادتكِ ، وآه بنيتي فثُغاؤكِ الصغيرُ يُسَمِّرني ويصلبُ ثورتي بل ويطفئُ اشتعالي. دمعةٌ واحدة من عينيكِ كافية لأن تمدَ في لحظةٍ جبال كبريائي الشامخة وجديلةٌ واحدةٌ من جدائلكِ تكفي لأنْ أتناول بقبول كل عبيدِ الشرقِ تحت شرفتي. دمي المبعثرُ يجدد خارطةَ انكساري. أستطيعُ أنْ أرى نفسي من خلال مرآتكِ ، وكنتُ كلما ألبستك ثوباً جديداً أو سرحتُ لكِ شعركِ أجدُ ملامحَ غربةٍ في وجهكِ. ويبقى أملُ العودةِ يصرخ.
بنيتي:
منْ مرافئِ الأقمارِ خرجتِ وانتصبتِ نجماً في حقول العتابا والميجانا ، ومنْ رعْشَةِ الموَّالِ في أغنياتِ الأقمارِ سَيَّجَ الأفقُ بعطركِ أرصفةً أُسدِلتْ الأجفانُ على قلبكِ ، وحضور صمتك في صخبِ السكونِ كان القلبُ يعزفُ لحن الرجوع الأخير. إني أسْمَعُكِ بنيتي وألمحكِ من الأوجاعِ غسلتُ روحي من نبع الوريدِ وبماء الصبرِ والأنينِ ولم تجفْ أحزاني عليكِ.
صغيرتي:
أيتها الشقراء التي تؤكد ملامحي ، يا من أحضنها وأنا أدندنُ بقايا أغنية فيروزية. يا لهذه القدرةُ التي تملكين على الغوصِ والإبحارِ في متاهات وجعي ونبشُ أحزاني. أرسلُ إليك ليصلكِ شوقي كنهر بردى تبحرينَ معَ موجهِ بكلمات أبيك وخفق مشاعره.
بنيتي:
أحبك كثيرا ، وأشتقتُ إليكِ كثيرا فاصرخي أو عاتبي حروفي. اغضبي ثوري المهم أن تكسري حاجز صمتكِ. أما أنا فسألبي دعوة موجك وأبحرُ معَهُ حيثما كنتِ صاخبا كان أو هادئا. وسأضعُ أكاليل الزنبقِ على عرائشِ ضفائركِ وطوق الياسمينَ على نحرك ، وسأظل أدعو من أعماق القلب المشتاق لك أن سلمتِ لي ودمتِ غاليتي.