متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
لكاتبه محمد محمد البقاش
محمد الفيتوري
وهذا محمد الفيتوري في ديوان الفيتوري صفحة: 1/ 113 يقول:
((والنبوات مظلة
ـ والديانات تعلة
ـ هب من كل ضريح في بلادي
ـ كل ميت مندثر
ـ كل روح منكسر
ـ ناقما على البشر
ـ كل أعداء البشر
ـ كافرا بالسماء
ـ والقضاء والقدر)).
الكفر بالسماء كلام مجرد لا يحاكم صاحبه عليه لأنه مفتوح، والنصوص
المفتوحة لها عدة تأويلات، وما تنطوي عليه النفس لمعرفة حقيقة مثل هذا
الكلام يسار إليه بكلام آخر حتى يفسر، لا يهمنا، ولكن الكفر بالقضاء
والقدر كفر بواقع يعيشه الإنسان ويعيشه الكون وتعيشه الطبيعة..
فالقضاء لفظ مشترك يعني الكثير ويهمنا منه ما عناه الكاتب، ولا أعتقد
عنايته به غيره وهو أن ما يقضى به على الإنسان قضاء، فالإنسان قدم إلى
هذه الدنيا مرغما، على غير إرادته إذ لم يخيره أحد، وعليه فقد قضي ذلك
قضاء، وسيرحل عنها مرغما أيضا وهنا يحاول أن لا يرحل فيقهر على الرحيل
قهرا، ويحمل عليه حملا، وعليه فقد قضي عليه في ذلك قضاء، وطوله الذي هو
عليه الآن مقضي عليه فيه. وإذا تحكم في إفراز هرمونات الغدة الدرقية
ليظهر إنسانا قزما، فإن الذي يأتي متصرفا في غدته وهرموناته يكون قد
قضي عليه ذلك قضاء في شأن لا يقتضيه نظام الوجود، في شكل تدخل الإنسان
فيه، ومع ذلك فهو قضاء ولو وقع من الإنسان على الإنسان وهكذا، وإذن
فالقضاء شأن حياتي تخضع له الكائنات الحية والجمادات، وهو قوة قاهرة
يظهر للعاقل أنها فوق الكون والإنسان والطبيعة..
وأما القدر فهو أيضا من الألفاظ المشتركة، وأحسبه هنا يعني به المكتوب.
فالمكتوب أيضا قضاء من نوع آخر، انظر إلى سنك قانونا تعاقب به المخالف،
فهل ما سيأتي به المخالف غائب عن علمك؟ كلا، وإذن فالقدر علم بما يقوم
به الغير، وهذا أعتقد ليس من اختصاص البشر، لا يستطيع أحد معرفة ما
سيفعل الآخر، ولكنه إذا قدر شيئا ورتب عليه عقوبة فسيتصور سلوكا يأتي
به المخالف، وهو في الإسلام علم الله تعالى، فالله قد كتب في لوحه
المحفوظ أن الرماديين سيقولون كذا وكذا، وسيفعلون كذا وكذا، سبهم له
وإهانتهم إياه سبحانه وتعالى باختيارهم، لأن لهم إرادة الاختيار التي
تقع في دائرة القضاء الذي إن وقع يسحب منهم اختيارهم؛ فلا يعاقبون
عليه، وعليه فالكفر بالقضاء والقدر، والكفر بالله والملائكة والنبيين
والآخرة معلوم عند الله ومكتوب لديه في لوحه المحفوظ. فقد كتب أن كل ما
ذكر سيقع بإرادة هؤلاء واختيارهم، وهذا لعمري منتهى العدل، فلا يعاقب
إنسان على فعل لا خيار له فيه، بل يثاب في شريعة الإسلام.
المعلم والأستاذ يعرف النبهاء من تلاميذه، وحين يأتي الامتحان يمتحنهم
أساتذة آخرون، وإذا سألته عن نتيجة امتحاناتهم قبل أن تحصل فسيقرر أنهم
سينجحون، ويكون كذلك، هذا علم بسيط ممن يملك معلومات عن تلاميذه، يعرف
قدراتهم، مستوى فهمهم، يعرف حفظهم ونباهتهم؛ ولذلك يقرر وفق ما علم،
فيكف يكون المحيط بكل شيء علما؛ الله تعالى؟.
..............