يا شامُ
الى الحبيبة الخالدة دمشق
و الى الجبل العظيم قاسيون
أكتب هذه الكلمات القليلة
مَنْ تلك مثلُكِ .. تُتّقى و تُهابُ
وتطاعُ حتى في الجفا و تُـجابُ
إنْ كان مـُلكاً فالملـوكُ كثيرةٌ
لكنّ حبَّـكِ قاهـرٌ غــلّابُ
أشهادُ حُسنـِكِ رفعةٌ و تكبّرٌ
و شهودُ حبي ذِلّـةٌ و عـذابُ
و اذا المليكةُ كان نفْساً عرشُها
بَذَلَ النفوسَ لأجْلها الخُـطّابُ
ما عاد يعنيني. و قد حَكَمَ الهوى
أني أحبّـكِ. ما هي الأسبـابُ
مَنْ بـاتَ نشواناً فليس يهمُّـهُ
مِنْ أيِّ كَرْمٍ تُجْمَـعُ الأعنـابُ
مَنْ لي سواكِ أحبُّـها و تحبني
ما بين قلبينا . فُديتِ. حِجابُ
منذ افترقنا و الظنونُ وسـادةٌ
و النائبات حمائـلٌ و ركـابُ
حتّامَ تُوغِلُ في هـوايَ مخالبٌ
و تُقيم بين أضالعي الأنيـابُ
هل يا تُرى دمعي ترقرقَ أمْ دمي
إذْ إنّ قلبي مثخنٌ و مصــابُ
في الصالحية حيثُ كان من الهوى
مالـمْ يذقْهُ بشهدِه الأحـبابُ
أسهبتُ في شَرحِ الغرامِ و ليتَه
في الحبِّ ينفعُ شارحاً إسهـابُ
إنْ لم تجيبي إنّ صمتَكِ رائـعٌ
إذْ أنتِ عنكِ تُحـدّثُ الأطيابُ
هدأتْ هناكَ على يديكِ خميلةٌ
و ارتـاحَ تحت شفاهِكِ العُنّابُ
اليـاسمينةُ تلك.. ما أخبارُهـا
و الفـلُّ و الجوريُّ و اللبْلابُ
هلْ لم يزلْ تشرينُ يُسبلُ زهرَه
ويطيــلُ سالفةَ البنفسجِ آبُ
كيف الحريقةُ و العتيقُ و جوبرٌ
و السورُ و الأحجار و الأبواب
و الجامعُ الأمويُّ كيفَ عروسُه
و النسرُ و القِبْــليُّ و المحرابُ
و العزُّ و النوويُّ و ابنُ عساكرٍ
هلْ لم يزلْ في الحضرةِ الأقطابُ
و نزارُ هلْ ما زالَ يـزفرُ وردَه
إذْ لم تُجِبـْهُ إلى الغرامِ ربـابُ
في كل شبرٍ مِنْ ترابكِ كوكبٌ
وهل البصيرُ إذا رأى يرتـابُ
من ها هنا التاريخُ أخرجَ رأسَه
فإذا الخلائقُ لجّةٌ و عُبــابُ
و تفرقوا فمضمَّخٌ بجميلهـا
أو مُنكِرٌ و منافقٌ كَــذّابُ
ما الأرضُ فيها الله يُعبد وحدَه
كالأرضِ فيها تُعبد الأنصـابُ
وإذا بلادٌ أجدبتْ من جهلها
فهُنا الزروعُ مآذنٌ و قبـابُ
يا قاسيونُ و أنتَ ظلُّك فوقها
و لقد تَقِي ما تحتها الأهدابُ
نفسي فداءاً ما حييتُ جعلتُها
لكَ أيـُّهذا الرابضُ الوثَّابُ
ذو الغوطتين وكفُّـه مخضرَّةٌ
في كلِّ كفٍّ مِنْ نداهُ خِضابُ
ينسابُ نهراً في الزمان عطاؤه
أرأيتَ نهراً مِنْ يدٍ ينسـابُ
ما كانَ مثلَ أخي الندى متطفّلٌ
أو كانَ مثلَ الزارعِ الحطّـابُ
تأوي اليه الدهرَ ويكَ حمائمٌ
و تموءُ خوفاً من عَصاهُ ذئابُ
ما ضرّ أنْ في الأرض جذرُكَ راسخٌ
فخميسُ ذكرِكَ سائرٌ جوّابُ
تتزاحمُ التيجانُ تحت بنوده
و تسيرُ خلفَ بعيرِه الألقابُ
ما كان مِنْ مجْدٍ فأنتَ مليكُه
إنّ الملوكَ لمجدكَ الحُجّـابُ
ما المجدُ إلّا السيفُ يقطرُ من دمٍ
أوْ لا .. يراعٌ نازفٌ و كتـابُ
يا شامُ يا وجهاً أموتُ بحبّـه
كمْ ماتَ قبلي في هواكِ شبابُ
لكِ أنتِ في جوِّ الحضارةِ شمسُها
ولِمنْ سواكِ اذا رضيتِ شهابُ
أيكونُ مثلَ معظّمٍ متعظـمٌ ؟
و تكونُ مثلَ الهامةِ الأذنابُ
إن كان مَسَّكِ نازغٌ فلقد قضى
تبقى البيوتُ و يرحلُ الأغرابُ
و السنديانةُ , و السحابةُ تاجُها..
بنعالهـا تتمَسَّحُ الأعشــابُ